السيد نصرالله، والعقد الإجتماعي لبناء دولة
متابعات || وكالات || أمين أبوراشد ” موقع المنار”
إذا كانت جولة عرض البرنامج الانتخابي التي اطل بها الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله شاءها سماحة السيد شاملة لأدقّ التفاصيل، فإننا نرى فيها مادة لورشة عمل وطنية كبيرة.
قبل إطلالته ليلة أمس الأربعاء للإعلان عن البرنامج الانتخابي لنواب حزب الله ولكتلة الوفاء للمقاومة، كانت لسماحة السيد حسن نصرالله إطلالات سابقة تناولت الشأن الإنتخابي الراهن، وستكون له كلمات يُلقيها إعتباراً من بداية شهر نيسان في العديد من المهرجانات الانتخابية في العديد من المناطق يتطرق فيها لبعض ما ورد في برنامج العمل الكامل الشامل للحزب وكتلته النيابية، لكن البلاغة في بلوغ الهدف الأسمى لبناء دولة – ونحن في حمأة إنتخابات – أن أي حزبٍ مؤتمنٍ على الوطن وعلى أهله وبيئته الإجتماعية، هو المسؤول أمام الناس في تحقيق البرامج الواعدة، وليست المسألة مرتبطة بإسم مرشَّح نيابي أو إسم مطروح للتوزير، طالما أن الحزب، أي حزب، هو الحاضنة المسؤولة عن تحقيق الإنجازات، وهو المرجع لو حصل أي تقصيرٍ في الأداء، سواء كان التقصير من أداء كتلته النيابية أو مجموعة وزرائه
ونقرأ للمرة الأولى كيفية مُقاربة بناء المؤسسات الحكومية والإدارية والمالية والرقابية، والبداية طبعاً من وزارة التخطيط التي كانت غائبة لفترة طويلة ثم أُعِيدَت ضمن محفظة وزارة دولة وهي بالتالي لن تكون فاعلة بوضعها الحالي، وعجباً لدولة تعمل بلا وزارة تخطيط!
أراد سماحة السيد ان يتلقّف المسؤولية من منطلق المسؤولية الحزبية، لأنه لا بُدّ للأفراد من نواب أو وزراء أو مسؤولين آخرين أن تكون لهم مرجعيتهم الأدبية المتمثِّلة بالحزب احتراماً للناس، ولا يجوز أن نتساءل ماذا أنجز فُلان من النواب أو فُلان من الوزراء، بل ماذا قدَّم الحزب – أي حزب – لمنطقة معينة أو شريحة شعبية يُمثِّلها، وهنا بيت القصيد لو شئنا أن نبني عقداً إجتماعياً بين الوطن والدولة، تكون الأحزاب فيه هي المسؤولة عن نسج هذا العقد وتحقيق بنود الإنجازات.
ونحن عندما نُعلِن إيماننا بالأحزاب لبناء دولة، لسنا ننتقص من المرشَّحين المستقلِّين للإنتخابات النيابية القادمة، ونُرحِّب جداً بمستقلِّين انضووا ضمن لوائح أحزاب يعتنقون فكرها ونهجها في العمل وبالتالي برنامجها الإنتخابي أمام ناخبيها، لكن المشكلة التي نواجهها كلبنانيين مع قانون الإنتخاب الجديد، هي في هذا الكمّ من المرشَّحين المستقلِّين الذين اجتمعوا ضمن لوائح أشبه بتذاكر دخول إلزامية لخوض الإنتخابات، تنتهي مفاعيلها فور إقفال صناديق الإقتراع، وليست هناك مرجعية مؤسساتية أو قيادة حزبية تُلزِم المرشَّح المستقل بأداء دوره في حال فوزه بالإنتخابات.
على اختلاف مشاربنا الدينية والسياسية والمناطقية والعائلية، نؤمن بالحياة الحزبية التي تجمع الشرائح الشعبية على رؤى، ربما تكون مختلفة في الأمور التفصيلية، لكنها تلتقي على مقاربة واحدة للشؤون الوطنية وفي إدارة الدولة. وإذا كان المفهوم الضيِّق لتلاقي الأحزاب في لبنان إسمه للأسف “محاصصة” فهو في الدول المتقدِّمة إسمه “إئتلاف أحزاب”.
العائلات اللبنانية لديها الحيثيات التي نحترم، لكننا بحاجة الى أحزاب تجمع هذه العائلات ومن كل لبنان، أو تحالفات حزبية متوافقة على سياسات وبرامج تُمثِّل طموحاتها البديهية وأحلام شبابها بأساليب علمية وعملية لبناء الدولة، وإذا كان سماحة السيد نصرالله، صادق الوعود دائماً، فإن التزامه على المستوى الشخصي والحزبي أمام اللبنانيين، هو بحدّ ذاته حدث انتخابي مُبهر أولاً، وإلتزام أدبي وأخلاقي أمام اللبنانيين لما بعد الإنتخابات ولما بعد بعد هذه الإنتخابات ثانياً، وكل الأحزاب والمكونات السياسية مُطالبة بالتوقف عن برامجها الورقية وأن تضع خارطة طريق واضحة وشفافة كما وردت في طروحات سماحة السيد.
إن أقرب مثالٍ زمنيّ عن التموضع الحزبي لبناء دولة قد يكون حزب “الى الأمام” الذي أسَّسه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قبل ستة أشهر من ترشيح نفسه للرئاسة، وبعد تسعة أشهر بلغ عدد المُنضوين تحت هذا الحزب الملايين، وترشّح ماكرون على أساس برنامجه الحزبي، وسواء نجح كلياً أو جزئياً أو حتى فشِل، فإن المسؤولية هي على عاتق حزب وقيادة وليست على الأفراد، والحزب في كل دول العالم ليس في عراقته وتاريخ تأسيسه بل بسرعة التصاقه بآمال وآلام الناس ومصداقية تعهداته في تحقيق ما به يحلمون وعلى أساسه ينتخبون…