ايران” “كلمة السر” في الخلاف الخليجي المتفاقم كيف؟ ثلاثة خيارات صعبة امام قطر فأيهما ستختار؟
بقلم / عبدالباري عطوان
“كلمة السر” في الخلاف القطري المتأجج مع “الشقيقات” الثلاث، السعودية الامارات والبحرين، تتلخص في خمسة احرف “ايران”، والتقارب المتزايد معها، في وقت يؤسس فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تحالفا “سنيا” ضدها، وتستضيف الرياض ثلاث قمم لتدشينه بزعامتها.
تغريد قطر خارج السرب الخليجي السعودي لم يكن جديدا، وتغييرها لتحالفاتها التكتيكية والاستراتيجية فجأة، وبمقدمات قليلة، بات احد العلامات الفارقة لسياساتها وسلوكها في السنوات العشرين الماضية على الأقل، ولكن الفارق الأساسي ان التحالف الخليجي الثلاثي الحالي ضدها يتخذ طابعا شديد الشراسة، ويحظى بدعم رئيس امريكي “متهور”.
ابرز التسريبات حول دور العامل الإيراني في تأجيج الخلاف القطري السعودي الاماراتي، جاءت على الصفحة الأولى لصحيفة “عكاظ” التي كشفت ان وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني زار بغداد فجأة، وقبل قمم الرياض بأيام معدودة، والتقى الجنرال قاسم سليماني رئيس فيلق القدس، واحد القادة العسكريين أصحاب النفوذ، والقول والفصل في الاستراتيجية الإيرانية.
الحكومة القطرية التي نفت الاقوال المنسوبة الى الأمير تميم بن حمد آل ثاني، وتضمنت انتقاد التصعيد مع ايران، ووضع “حزب الله” على قائمة الإرهاب، وامور أخرى، ولكنها حتى كتابة هذه السطور لم تنف هذا اللقاء “المزعوم” بين الوزير القطري والجنرال سليماني.
***
التقارب القطري مع ايران كان علنيا، ومن تابع تغطية قناة “الجزيرة” للانتخابات الرئاسية الإيرانية الأخيرة (19 مايو الحالي) التي فاز بها السيد حسن روحاني لولاية ثانية، يدرك هذه الحقيقة جيدا، فقد أصدرت السلطات الإيرانية 39 “فيزا” لمندوبين في المؤسسات الإعلامية والبحثية القطرية واوفدت “الجزيرة” فريقا يضم نخبة من المذيعين على رأسهم “المخضرم” محمد كريشان، مع التذكير بأن السلطات الإيرانية لم تعط “فيزا” واحدة للقناة لتغطية انتخابات مماثلة، واكثر أهمية، جرت عام 2013.
الامر الآخر اللافت للنظر، ان الاعلام القطري بدأ يغير لهجته في اليومين الماضيين، فشريط الاخبار في قناة “الجزيرة وموقعها على الانترنت بات يستخدم تعبير “الجيش العربي السوري” وليس جيش النظام، وقد شاهدت ذلك شخصيا، كما انه غطى الخطاب الأخير للسيد حسن نصرالله الذي انتقد فيه قمم الرياض بشراسة، وبشكل مطول، ولم يعد يطلق عليه، أي “الحزب”، توصيفات مثل “حزب اللات” او “حزب الشيطان”، كما ان الجيش الالكتروني القطري اسقط كلمات وتوصيفات أخرى مثل “المجوس″ و”عبدة النار” في إشارة الى ايران وحلفائها.
من الواضح ان “الحرب الإعلامية” بين دولة قطر و”شقيقاتها” الخليجيات ما زالت متصاعدة، رغم لجوء الأولى الى التهدئة في البداية، وزاد من تأجيجها (أي الحرب) دخول الإمبراطورية الإعلامية المصرية الى اتونها بشكل قوي ضد قطر طبعا.
السؤال الذي يبحث عن إجابة هو عما اذا كانت هذه الحرب الإعلامية ستتطور الى مواجهات عسكرية لاحقا؟ ومن سيقف في خندق الدفاع عن قطر في هذه الحالة؟
ما يجعلنا لا نستبعد مثل هذا التطور، أي المواجهة العسكرية، ثلاثة وقائع مهمة حدثت في العشرين عاما الماضية:
أولا: “حرب الخفوس″ السعودية القطرية التي اندلعت عام 1992 بسبب الخلاف الحدودي بين البلدين، عندما هاجمت قوة سعودية مخفرا للشرطة القطرية، وازالته، وسقط في هذه المعركة ضابط سعودي وجنديان قطريان.
ثانيا: محاولة الانقلاب الابيض الناجحة التي قادها الشيخ حمد بن خليفة ولي عهد قطر في حينها ضد والده اثناء قيام الأخير بزيارة رسمية الى القاهرة في 27 حزيران (يونيو) عام 1995، وهو الانقلاب الذي حظي بدعم امريكا واعترافها، واثار قلق الدول الخليجية الأخرى، وهندسة الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، رئيس الوزراء ووزير الخارجية الأسبق.
ثالثا: التدخل العسكري المدعوم من السعودية والامارات والبحرين ومصر في شباط (فبراير) 1996 لإطاحة حكم امير قطر السابق حمد بن خليفة، وإعادة والده الذي كان يقيم في فندق الانتركونتيننتال في ابو ظبي، وهو التدخل الذي لم يكتب له النجاح، ولكنه ادى الى توتير العلاقات السعودية القطرية، ومن المفارقة ان دولة قطر اتهمت الأمير سلمان بن عبد العزيز (الملك الحالي) بانه المهندس الحقيقي لهذه المحاولة الانقلابية الى جانب شقيقه الراحل الأمير سلطان، وزير الدفاع في حينها، وانتقمت عن طريق بث شريط عن عمولات صفقة الأسلحة الشهيرة “صفقة اليمامة” على قناة “الجزيرة”، الى جانب شن حملات وهجمات أخرى.
في معظم هذه المحطات المذكورة آنفا، بل وفي ازمة سحب السفراء من الدوحة عام 2014، كانت هناك وساطات تحاول تطويق الازمات، لكن اللافت في الازمة الحالية ان هذه الوساطات غير موجودة حتى الآن على الاقل، خاصة من قبل الكويت “حمامة السلام”، واميرها الشيخ صباح الأحمد، ولعل الأخير تعب
من هذا الدور، كما ان علاقاته مع السعودية ليست على ما يرام هذه الأيام لاسباب عديدة، من بينها عدم رضائه على سياسات التصعيد مع ايران أولا، مضافا الى وجود خلافات مع “الجارة الكبرى” على حقول نفط وغاز (الخفجي والوفرة) في المنطقة المحايدة.
امام قطر، في تقديرنا، ثلاثة خيارات رئيسية لمواجهة هذه الازمة المتفاقمة:
الأول: ان تقبل بكل شروط المحور الرباعي السعودي الاماراتي المصري البحريني، وابرزها قطع العلاقات كليا مع ايران أولا، وحركة “الاخوان المسلمين”، ووقف كل أوجه الدعم المالي والإعلامي والسياسي للأخيرة ثانيا، وابعاد كل مسؤولي حركة حماس في الدوحة، وعلى رأسهم السادة خالد مشعل، وموسى ابو مرزوق، ومحمد نزال، وعزت الرشق، وصالح العاروري، الذي أبعدته تركيا بضغوط إسرائيلية، ووقف كل الدعم المالي والسياسي للحركة ثالثا.
الثاني: الانضمام الى المحور الإيراني السوري العراقي كرد على هذه الحملة الرباعية ضدها، ويمكن ان تعلب تركيا دورا مهما في هذا الصدد، خاصة ان هناك معاهدة دفاع قطرية تركية مشتركة، وقاعدة عسكرية لتركيا قرب الدوحة، فالرئيس رجب طيب اردوغان مستاء من إدارة ترامب التي اهانته ورفضت كل طلباته في تسليم الداعية فتح الله غولن، المتهم بتدبير الانقلاب الأخير، وفضلت الاكراد عليه كحليف استراتيجي، واستمرت في امدادهم بالمال والسلاح، ومن غير المستبعد ان يغير اردوغان سياساته وتحالفاته في سورية ويجر قطر الى جانبه.
الثالث: ان يذهب امير قطر مباشرة الى إدارة ترامب حاملا معه “صكا” بمئتي مليار دولار او اكثر، مثلما فعل الأمير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد السعودي، مسددا ثمن الحماية الامريكية الذي طالب به الرئيس ترامب دول الخليج، سواء على شكل صفقات أسلحة او استثمارات.
لا نعرف ما هو الخيار الذي ستختاره الحكومة القطرية، ولكن ما نعرفه ان هذه الخطوة حتمية، ويجب ان تتم بسرعة، لان الأمور تتطور نحو الصدام بطريقة او باخرى.
***
في اب (أغسطس) عام 2013 كتب جيرمي شابيرو، رئيس وحدة الأبحاث الاستراتيجية في وزارة الخارجية الامريكية في زمن هيلاري كلينتون مقالا في مجلة “فورين بوليسي” الامريكية عبر فيه عن استيائه من السياسة القطرية المتعددة الأوجه، وخاصة دعمها للارهاب وجماعاته، وقال ان واشنطن يمكن ان تعاقبها على عدة جبهات:
الأولى: ان تفتح ملف حقوق العمال الأجانب في قطر الذين يشاركون في البنى التحتية القطرية لتجهيزات كأس العالم لعام 2022 في الدوحة، وجرة فتح هذا الملف وكذلك الرشاوى في الحصول على الحف في تنظيم المسابقة.
الثانية: فتح ملف دعم قطر للمنظمات الإرهابية مثل “القاعدة” و”النصرة” والإدارة الامريكية تملك الكثير من الأدلة، حسب زعم مسؤولين سابقيت فيها، وكتبت صحف مثل نيويورك تايمز وواشنطن بوست عدة افتتاحيات في هذا الملف.
الثالية: احياء الخلاف السعودي القطري، وصب النار على زيته مجددا بما في ذلك ملف “الجزيرة” والخلافات الحدودية والتاريخية، (وجرى تطبيق هذا التوجه عام 2014 اثناء ازمة سحب السفراء، مثلما يجري تطبيقه حاليا).
الرابعة: دعم الجناح الثاني في عائلة “آل ثاني” الذي اخذ الجناح الحالي الحكم منه قبل نصف قرن تقريبا، واستضافة رموزه في واشنطن، وتأمين دعم اعلامي وإقليمي له للعودة الى العرش.
الأهداف الثلاثة الأولى تحققت جزئيا او كليا، ولكن الهدف الرابع، أي شقّ الاسرة الحاكمة، فلم يتحقق، او لم يجري “العبث” بورقته بعد.
ويمكن إضافة هدف آخر يجري الحديث عنه بقوة هذه الأيام، وهو نقل قاعدة العيديد والسيلية الامريكية من قطر الى دولة خليجية أخرى، ويجري ترشيح الامارات والسعودية كمضيف جديد لها.
السؤال الأخير الذي نختم فيه هذه المقالة هو: هل ستهرع كل من تركيا وايران لنجدة قطر في حال وصلت الأمور لقمة السوء وتعرضت لهجوم؟ وهل ستسامحها الأولى على دورها في الازمة السورية؟
نترك الإجابة للايام او الأشهر المقبلة، مع التأكيد ان أيام شهر رمضان المقبلة قد تكون ساخنة جدا طقسا وسياسة في منطقة الخليج الملتهبة.. ورمضانكم مبارك، وكل عام وانتم بخير.
رأي اليوم