من هم أنصار الله؟ (4)

سلسلة وثائقيات تعريفية عن المشروع القرآني في اليمن

بقلم زيد أحمد محمد الغرسي
 
 
الأساس الذي تحرك به الشهيد القائد:

كان الأساس الذي اعتمد عليه الشهيد القائد السيد حسين بدرالدين الحوثي وانطلق منه في المشروع القرآني، هو القرآن الكريم والتثقف بثقافته باعتبار أن الأساس في الهداية، انها من الله كما قال: {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى}، وهو الذي جعل كتابه القرآن الكريم مصدر الهداية، حيث قال-عز وجل-: { إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ }.
 والهداية ليست كما يظن البعض مقتصرةً على الأمور الدينية فقط، بل هي هداية شاملة في كل مجالات الحياة، والقرآن يهدي الإنسان في كل تلك المجالات نحو الاتجاه والخيار الصحيح، سواء في المواقف، والأفعال، و الأخلاق،  والأعمال ، وفي تحصين الأمة و مواجهة أعداءها، بل وتمتد هدايته إلى كل المستويات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والعسكرية، والأمنية، والإعلامية، وكل ما له صلة بحياة الإنسان لأن القرآن الكريم كتاب شامل للحياة كما قال الله عنه: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}، {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ}، ولذلك؛ قدم الشهيد القائد أكثر من مائة درس ومحاضرة تضمنت الحديث عن الكثير من تفاصيل الحياة التي نعيشها من واقع الآيات القرآنية .

كما أن القرآن هو أرقى من يقدم الرؤى الصحيحة، التي لا يمكن أن تأتي الأيام وتثبت عكسها أبداً، أو يتضح أنها كانت غير مناسبة؛ لأن من خلْف القرآن، هو الذي نزّل القرآن، وهو أعلم بشؤون خلقه، ويعلم ما في السماوات، وما في الأرض، وهو عالم الغيب، والشهادة، ولا يعجزه شيءٌ، وسع كل شيءٍ علما.

ولذلك فالاعتماد على الهداية الإلهية من خلال القرآن الكريم سيجعل الإنسان بعيداً عن الأخطاء، والمواقف غير الصحيحة، وبعيداً عن التخبط وراء الأفكار والنظريات التي أثبتت الوقائع والأحداث أن كثيراً منها خاطئٌ، وكانت سبباً في الخسارة الكبيرة للأمة، وهيمنة أعداءها عليها، يقول الشهيد القائد: “{وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} بماذا توحي هذه الآية؟ من قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا} أليست توحي بأن هناك عملاً رهيباً ضد هذه الأمة، عمل رهيب يحاول أن يطوِّع الأمة، عمل رهيب كله شر، سيجعل واقعك تبحث عمَّن تعتصم به هنا أو هنا، فبمن تعتصم؟ اعتصم بالله {وَمَن يَعْتَصِم}: يمتنع، كلمة {يَعْتَصِم} توحي بأني أنا أبحث عمَّن أعتصم به، أليس العرب الآن هكذا: تارة يبحث عن أمريكا يعتصم بها، وتارة يبحث عن الاتحاد السوفيتي يعتصم به، وتارة يحسن علاقاته مع طرف آخر يعتصم به؟ أليس هذا هو الحاصل؟ .”

كذلك يأتي اعتماد الشهيد القائد على القرآن بشكل أساسي؛ لأنه الجامع لكل المسلمين ولا يوجد عليه خلاف أبداً، ولذلك دعا الامة إلى أن تعود إليه عودةً صحيحةً دون مذهبيةٍ أو طائفيةٍ، (وإن حاولت السلطات في اليمن تصوير المشروع القرآني بالمشروع المذهبي والطائفي، فهذا غير صحيح بل هي من كانت تحرك كل أوراقها المذهبية، والقبلية؛ لمواجهة هذا المشروع تارة بالتكفيريين والوهابيين، وتارة باسم القبائل، وغيرها، وتارة بالقاعدة، وداعش).
فالقرآن هو من سيقضي على كثير من الاختلافات التي كان منشأ بعضها من أعداء الأمة؛ لتفريق الأمة، وتشتيتها، بهدف إضعافها، وكما قال الرسول الأكرم-صلوات الله عليه وآله-في الحديث الشريف [لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها].

كما يرى الشهيد القائد ،أن القرآن هو المصدر الوحيد للوعي بشكل صحيح وهو أهم ما تحتاجه الأمة في مواجهة أعداءها، فالقرآن لا يضاهيه، ولا يساويه، أي شيء آخر في صناعة الوعي في كل المجالات في هذه الحياة، ومن أهمها مجال الصراع مع العدو، ولذلك نلاحظ أن القرآن الكريم اهتم بهذه المسألة بشكل كبير ومفصّل في كثير من سوره، لأنها قضية مهمة، وأساسية ومحورية لتوعية أبناء الأمة بها، ويترتب عليها واقع الأمة في كثير من تفاصيله، ولأهمية هذه القضية نرى أن القرآن تحدث عن أعداء الأمة بشكل واسع وبتفاصيل كثيرة حتى يعرف المسلمون أعداءهم بشكل صحيح، وألا ينخدعوا بالتضليل، والخداع، والتزييف الذي يمارسه اولئك الأعداء عليهم، فنجد أن القرآن حدد للمسلمين من هم أعدائهم، وهم المتمثلون بفريق الشر، والغدر، والمكر، والحقد، والعداء، من أهل الكتاب (من اليهود، النصارى)، {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا..} كما تحدث عن أساليبهم، ووسائلهم، وكشف لنا حقيقتهم تجاهنا، وقدم لنا تقييماً، وتشخيصاً دقيقاً، وحقيقياً، ويقينياً عنهم، وكشف واقعهم في كثير من سور القرآن التي تحدث فيها عن نفسياتهم، وعن حقدهم، وعداءهم للإسلام والمسلمين، وعداوتهم للأنبياء، وسعيهم لنشر الفساد في الأرض، وأنهم لا يودون لنا أي خير، وهذه المعرفة الهامة تحصن أبناء الأمة من القبول بأعدائهم،

واختراقهم تحت عنوان التطبيع والسلام والعيش المشترك وووالخ.
وفي الوقت نفسه، قدم لنا القرآن مشروعا متكاملا في مواجهتهم على كل المستويات، ورسم لنا خطوات لتحصيننا من الداخل، وسد الثغرات التي قد يستغلها الأعداء، وقدم خطوات تعبوية، استنهاضية، للتحرك في مواجهتهم والتصدي لمؤامراتهم، وأن نبني أنفسنا لمواجهتهم في كل مجالات وميادين الحياة، وأن المعركة معهم ليست فقط في الميدان العسكري، وبالرغم أنه جزءٌ أساسيٌ فيها، لكنها تمتد إلى كل المجالات.

ولذلك حرص الشهيد القائد على الاهتمام بهذه النقطة، وقدم قراءة واعية عن طبيعة الصراع مع عدو الأمة والمجالات المختلفة التي يتحرك فيها لاستهداف الأمة سياسياً، وإعلامياً، واقتصادياً، وفي التضليل الثقافي، والفكري وغيرها، واعتمد الشهيد القائد على الرؤية القرآنية، والفهم الصحيح، على مبدأ (عينٌ على القرآن وعينٌ على الأحداث).

كما أن الشهيد القائد رأى أن تصحيح الوضع السيء القائم لدى الأمة لن يكون إلا على أساس القرآن الكريم، باعتبار أن منشأ الخلل ثقافي، والتصحيح الثقافي الذي يجعل القرآن الكريم فوق كل ثقافة، هو الذي يبني الأمة ويصلح الخلل الموجود لدى الجميع، كما أن الطريق لإصلاح واقع الأمة هو إصلاح أبناءها، وإصلاحهم يأتي عبر الثقافة القرآنية الصحيحة البناءة التي تبني المجتمع، والحياة، وتجعل تعاطي المجتمع مع الحياة ومع الواقع بكل ما فيه؛ حكيما، وصحيحا على قاعدة (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) وعندما تتثقف الأمة الإسلامية بالثقافة القرآنية، وتتناول واقعها، ومشاكلها، من منظور قرآني، وتقدم الحلول وفقا لذلك،  ستكون قادرة على بناء أمة عظيمة وقوية لا يستطيع أعداؤها كسرها.

يتبع …

مقالات ذات صلة