انتخابات البحرين 2022.. بين الطموح والواقع

الحديدة: تهامة نيوز

أعلنت السلطات الرسمية في البحرين عن موعد الانتخابات النيابية في 12 نوفمبر 2022، تحت شعار “نصوت للبحرين”، مع مقاطعة واسعة من قبل الشعب في البحرين..
تصدرته جمعية الوفاق الوطني الإسلامية، صاحبة أكبر كتلة نيابية في 2006 و2010، بـ18 نائب من أصل 40 وبنسبة مئوية تقارب 65% من عدد أصوات الناخبين، وفي دوائر غير عادلة، حيث أعلنت الوفاق رسمياً عن دعوتها لمقاطعة الانتخابات بشعار “بصوتك تطبع”، كما أعلنت جميع القوى المعارضة مقاطعتها للانتخابات، وأصدرت بيان مشترك تدعو فيه كافة الشعب لمقاطعة الانتخابات لعدم دستوريتها، ولكون الانتخابات صورية، فارغة من المضمون.

هل الانتخابات النيابية غاية أو وسيلة؟

الانتخابات في أي بلد هي وسيلة للوصول إلى غاية وهدف أكبر، وهو تمثيل رأي الشعب في المجلس لاختيار حكومته، والعمل على تشريع وسن القوانين للحكومة ومراقبة أداءها.

فالمشاركة في الانتخابات بأي بلد هو حاجة ضرورية، من أجل مساهمة الشعب مع النظام في تطوير البلد والارتقاء به، كما أنه مؤشر حقيقي على مساحة الحرية الحقيقية، التي يتمتع بها الشعب في المساهمة الفعلية للارتقاء ببلده.

عرف عن شعب البحرين على أنه من أوعى الشعوب في الخليج والوطن العربي، من خلال مطالباته المبكرة في المشاركة في إدارة الدولة، منذ عشرينيات القرن الماضي مرورا بالخمسينيات، حيث منح أول تنظيم سياسي تصريح من الدولة (هيئة الإتحاد الوطني 1954-1956م)، والذي بعد ذلك حله الحاكم الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة، بإيعاز من الحاكم البريطاني في البحرين والخليج، فتم نفي بعض قادتها “عبدالرحمن الباكر، عبدالعزيز الشملان وعبدعلي العليوات” إلى جزيرة سانت هيلانة، كما زج بالبعض الآخر في سجن جزيرة جدة.

استمرت مطالبة قوى الشعب بمجلس نيابي منتخب، يكون الشعب فيه مصد السلطات جميعا، واستمر النضال حتى تحقق ذلك الطلب في العام 1971م، حيث تم إنشاء مجلس تأسيسي لصياغة دستور للبلاد، يعرض على الشعب للتصويت عليه، وبعد إتمام مواد الدستور، تم عرضه على الشعب، وبناءً عليه تمت أول انتخابات برلمانية حرة في العام 1973م، عبر عنه بالبرلمان العقدي بين الشعب والحاكم في البلاد، ولكن الحاكم عيسى بن سلمان، المدعوم من الاحتلال البريطاني، قام بحل البرلمان في 26/8/1975م، وأقام قانون “نظام أمن الدولة” السيئ الصيت، الذي رفضه البرلمان، فغيبت الحياة النيابية عن الشعب منذ ذلك التاريخ.

لكن الشعب البحراني استمر في المطالبة بإعادة الحياة البرلمانية كونه حق تمت مصادرته من قبل الأسرة الحاكمة، كما أنه ضرورة ملحة للصلاح في مسار الحكومة، التي أضحت خارج الشرعية الشعبية، منذ ثمانينات القرن الماضي، ثم أعقبها تقديم العريضة النخبوية في 15/11/1992م التي وقعتها شخصيات دينية وسياسية ووطنية، ورفضت بدعوى أنهم لا يمثلون الشعب، وبناءً عليه تم دعوة الشعب للتوقيع على العريضة الشعبية في العام 1994م، وتم تقديمها لحاكم البلاد، الذي رفض الاستجابة لمطالب الشعب بإعادة العمل بدستور 1973.

وفي ذلك الوقت برزت شخصية قيادية دينية ووطنية شابة، تمثلت في الشيخ علي سلمان، الذي عين إمام مؤقت لجامع الإمام الصادق بالدراز، خلفاً لإمام الجامع آية الله الشيخ عيسى قاسم، الذي سافر لإكمال دراسته الحوزوية، فكان دور الشيخ علي بارزاً ولافتاً، من خلال تصديه للمطالبة بإعادة الحياة البرلمانية وتحريك الشعب للمطالبة بحقوقه، فعمد النظام لاعتقال الشيخ علي سلمان ورفيقيه الشيخ حمزة الديري والسيد حيدر الستري، وعلى إثرها اندلعت مظاهرات مطالبة بالإفراج عنهم وتلبية مطالب الشعب في إعادة الحياة البرلمانية التي صادرها النظام منذ العام 1975م، فقام النظام بإبعاد الشيخ سلمان ورفيقيه إلى لندن، فاندلعت انتفاضة الشعب في تسعينيات القرن الماضي (94-1999م)، بقيادة الشيخ عبدالأمير الجمري، والتي انتهت بوفاة الأمير الراحل الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة.

في السادس من مارس عام 1999، تولى ولي العهد الأمير حمد بن عيسى آل خليفة مقاليد الحكم خلفاً لوالده، حيث دشن عهده بوعود للشعب عرف عنه (بالمشروع الإصلاحي)، من خلال ميثاق العمل الوطني، الذي عرض على قيادات الشعب في السجن قبل التصويت عليه، فطالبت قوى المعارضة بالتعديل على الميثاق، فقام الأمير حمد بإرسال تطمينات للشعب عبر ولي عهده سلمان بن حمد آل خليفة، ووزير العدل آنذاك خالد بن عبد الله آل خليفة عبر الصحافة المحلية.

كما سبق ذلك زيارات لرموز الشعب الدينية والوطنية كالسيد علوي الغريفي، الذي قدم أثناء اللقاء السيد عبد الله الغريفي مطالب من ضمنها إعادة الحياة الديمقراطية، فوقع عليها الأمير الجديد، وبعدها قدم الوعود بإعادة العمل بالبرلمان، فتم تبييض السجون من قيادات الشعب وجميع معتقلي الرأي، وتم إلغاء نظام أمن الدولة السيئ الصيت كبادرة حسن نية، فعمت الأفراح في جميع أرجاء البحرين، ثم عرض مشروعه الإصلاحي (ميثاق العمل الوطني) على الشعب للتصويت عليه، وبناءً على دعوة قيادات الشعب للتصويت، تم التصويت عليه بنسبة 98.4%، فاستغل الحاكم ذلك، واعتبره تخويل له، فانقلب على الشعب وقياداته، فنكث بوعوده، وجاء بدستور جديد من طرف واحد، مستغلاً تصويت الشعب، عبر عنه بالدستور المنحة.

إن نضال وطموح الشعب البحريني، الذي ورثه الأبناء عن الأجداد، هو بناء دولة يحكمها القانون، يكون الشعب فيها مصدر السلطات جميعاً، تحمل آمال وتطلعات الشعب في الدفاع عن حقوقه وقضاياه، وعلى رأسها قضية الأمة فلسطين التي يحملها الشعب البحراني بوعي وبصيرة، في تحريرها مع الشعوب العربية والإسلامية من المغتصبين الغزاة، وعدم الإقرار بما يقوم به النظام البحراني الخارج عن الشرعية الشعبية، كما عبر عنها زعيم المعارض المسجون كيداً، سماحة الشيخ علي سلمان.

أما حاكم البلاد وحكومته، فقد عمد إلى تجريد الشعب من كل صلاحياته، فقام بمصادرة السلطات جميعا من الشعب وجعلها حكراً عليه، كما أنه عمد إلى مؤسسات الدولة، كالبرلمان والقضاء، فأفرغها من مضمونها، فأنشأ قضاء تابع له يقوم هو بتعيينه عبر المراسيم، ومجلس وطني، منزوع السلطات، مكون من غرفتين (40 معين و40 منتخب وفق دوائر جائرة، تتبلور فيها الطائفية) لا تستطيع المعارضة حتى الحصول على النصف في المجلس المنتخب، فضلاً عن القوانين المقيدة لأعضاء البرلمان.

إن الشعب البحراني من خلال التجارب السابقة للانتخابات النيابية، التي أجريت منذ (2002 حتى 2018)، ينظر إلى أنها ليست هي مطلبه التي ناضل من أجلها على مدى عقود من الزمن، فإن الانتخابات النيابية المزمع إقامتها في 2022، لا تمثله لأنها انتخابات صورية لمجلس نيابي، فاقد لأبرز أدواره (التشريع والرقابة)، وهي لا تحقق طموحه وآماله، كما أن قرارات الحاكم هي المسيطرة على هذه المؤسسة التشريعية، يتجلى ذلك من خلال قرارات العزل السياسي على قيادات وأعضاء الجمعيات التي حلتها السلطة بغير وجه حق.

إن العائلة الحاكمة وسلطاتها، تريد مؤسسات صورية عاجزة عن القيام بالوقوف أمام إرادة الحاكم، مثل عدم القدرة للتصدي لقرارته في إقامة علاقات محرمة مع الكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين، والدفاع عن الشعب الفلسطيني العزيز وعن قضايا الأمة، كالتعدي على الشعب السوري واليمني الشقيقين.

إن شعب البحرين الذي قدم الشهداء وسجناء الرأي، وتحمل الإبعاد والإقصاء والتهميش، لن يتوقف حتى يكون له ما خرج من أجله، وهو مؤسسات حقيقية كما عبرت عنها وثيقة المنامة الصادرة عن الجمعيات السياسية، وأبرز مطالبها، (برلمان كامل الصلاحيات) وحكومة منتخبة وقضاء مستقل ونزيه ودوائر انتخابية عادلة.

إبراهيم المدهون

إعلامي وعضو شورى سابق في

جمعية الوفاق الوطني الإسلامية.

مقالات ذات صلة