[24/سبتمبر/2016م]
متابعات – تهامة نيوز
كشف وزير الدفاع ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق موشي يعالون في منتدی سياسي لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى منتصف الشهر الجاري عن نظرته من الداخل لاستراتيجية الأمن القومي الإسرائيلي حيث وجّه جملة من الملاحظات التي تفسّر العديد من الأفعال وردود الأفعال الإسرائيلية في المنطقة.
وحاول يعالون في قراءته التي نشرت على صفحة موقع المركز تحت عنوان ” نظرة من الداخل في استراتيجية الأمن القومي الإسرائيلي” An Inside Look at Israeli National Security Strategy معالجة جملة من القضايا الساخنة التي شرح خلالها موقف بلاده مزوّداً ببعض المغالطات التي حاولت تلميع الموقف الإسرائيلي في بعض الملفات.
أصاب يعالون في رؤيته بأن الزلزال المستمر الذي يُصيب العالَم العربي تسبّب “على مدى السنوات الخمس الماضية بإعادة توجيه المشهد السياسي، وساهم في تعميق عدم الاستقرار الذي من المرجح أن يظل قائماً في المستقبل المنظور”، وتحدّث في المقطع نفسه عن إعادة تشكيل الدّول المنهارة ضمن أقاليم متجانسة عرقياً أو اتّحادات هشّة. يعالون الذي يعد نفسه وسطيّا في ساسة الکیان الاسرائیلي حذّر في وقت سابق من أن عناصر خطيرة ومتطرفة (لم يحددها بالإسم)، باتت تسيطر على الكيان الإسرائيلي، تؤكد سعي تل أبيب لإيجاد أقاليم متجانسه تتصارع مع أقاليم محاذية لها، فضلاً عن الاتحادات الهشّة التي تجبر الدول على البقاء في قمقمها الداخلي.
الوزير الإسرائيلي دعا إلى أن “یكون الکیان الإسرائيلي رصين و واقعي في التعاطي مع جواره”، و “ألّا ینخرط في التفكير الغارق بالتمني أو إظهار سلوك متعال من خلال محاولة فرض الديمقراطية أو إطار الدولة القومية”، ما يدفعنا لطرح جملة من التساؤلات: رغم أن هذه الدعوة في ظاهرها تنم عن نظرة واقعية ليعالون، ولكن عن أي ديمقرطية يتحدّث، وهل يقصد ذلك الشعار الذي رفعته إدارة بوش في حربها على العراق والمتمثّل بـ” نشر الأفكار الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط “ولو بالقوة العسكرية”؟
في المقطع اللاحق، حاول يعالون تلميع الصورة الإسرائيلية قائلاً:” لا ترغب إسرائيل في التدخل في النزاعات العربية الداخلية”، معتبراً أنها “تعلّمت جزءاً من هذا الدرس من خلال الأحداث التي تلت دعمها للرئيس اللبناني بشير الجميل خلال حرب عام 1982″، ألم يتدخّل الكيان الإسرائيلي في دعم الجماعات المسلّحة في الجنوب السوري (سنتعرّض لهذه النقطة لاحقاً).
الغريب في كلام يعالون أنّه ادّعى اعتماد “الحكومة الإسرائيلية عمداً موقفاً حيادياً، من خلال عدم اتّخاذها موقف علني بشأن ما إذا كان على الرئیس السوری بشار الأسد أن يبقى في السلطة في سوريا أم لا”، فهل تناسى يعالون ما قاله مؤخراً رئيس مركز أبحاث الأمن القوميّ، والرئيس الأسبق لشعبة الاستخبارات العسكرية (أمان)، الجنرال عاموس يدلين، أن”مصلحة اسرائيل الاستراتيجية هي اسقاط الرئيس بشار الأسد”، داعياً للتدخّل هناك!
جديد سياسة ذر الرماد في العيون، هي محاولة يعالون إظهار نفسه كرجل وسطي في أروقة واشنطن والكيان الإسرائيلي والمنطقة من خلال تحدّثه عن تقديم الكيان الإسرائيلي “مساعدات إنسانية في سوريا، من بينها الغذاء، والعلاج الطبي، والوقود”، فهل يقتصر الدعم الإسرائيلي على هذه المساعدات؟ ماذا عن المساعدات العسكرية التي تتلقّاها الجماعات المسلّحة في الجنوب السوري، وفي مقدّمتها جبهة النصرة الإرهابية؟
يعالون أشار في نظرته “الاستراتيجية” إلى نقطة في غاية الأهمية تتمثّل في ” تعاون إسرائيل الاستراتيجي وغير المسبوق مع مصر والأردن في تحقيق أمنها الشامل في المنطقة”. في الواقع، انتهزت السلطات الإسرائيلية الحضور التكفيري في المنطقة للتقرّب من مصر والأردن، باعتبار أن العلاقات مع هذه الدول سادها نوع من الفتور بعد ما يسمّى بـ”الربيع العربي”.
ايران، لم تكن غائبة عن استراتيجية يعالون حيث أعاد تكرار مزاعم سابقة، تتعارض وتقارير المنظمة الدولية للطاقة الذرية، وذلك في إطار السياسة التقسيمية التي تحدّث عنها ابتداءً تحت عنوان الأقاليم متجانسه والإتحادات الهشّة.
في السياق التقسيمي ذاته، اعتبر رئيس الأركان السابق أن “الزلزال الجيوسياسي خلق فرصاً لإسرائيل أيضاً”، مقسّماً المنطقة إلى أربعة معسكرات رئيسية هي: المحور الشيعي الإيراني، كما وصفه يعالون؛ ومعسكر “الإخوان المسلمين” بقيادة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ولكنه يضم أيضاً عناصر في مصر و “حماس”؛ والمعسكر التكفيري، والذي يشمل تنظيمي داعش والقاعدة الإرهابيين؛ والمعسكر السني العربي، الذي يضم السعودية ومصر والأردن وقطر والإمارات العربية المتحدة، وغيرها.
بعد هذا التقسيم الذي حاول يعالون ربطه بالمصالح الإسرائيلية التي تنشد مذهبية الصراع رغم أن التكفير لم يستثني أحد، جدّد وزير الدفاع الإسرائيلي رؤية أسلافه بالتعاون مع المعسكر الأخير نظراً لوجود عدة أعداء مشتركين، داعياً “أمريكا إلى الإنضمام إلى إسرائيل في الإعلان عن اصطفافها إلى جانب المعسكر السني العربي”، وكأن أمريكا تقف في معسكر آخر، وتابع قائلاً: من مصلحتهما (الكيان الإسرائيلي والمعسكر السني العربي) المشتركة أن يعزّزا هذا التعاون حتى بدرجة أكبر.
لم يكتف يعالون بهذا الحد من خطف ودّ السعودية والمعسكر التي تنتمي إليه، بل اعتبر أن “الدول السنية قد رددت خيبة الأمل الإسرائيلية من إدارة أوباما، بسبب عدم معالجة مخاوفها بشأن الاتفاق النووي، وسماحها لوكلاء إيران باثارة المشاكل في المنطقة”. في الواقع، يأتي كلام يعالون في ظل قانون الكونغرس الأخير الذي استخدم أوباما الفيتو لإيقاف مفعوله ومنع مقاضاة السعودية، وذلك بغية تسريع إجراءات التقارب بين الكيان الإسرائيلي والسعودية وبعض دول هذا المحور.
فيما يخص القضية الفلسطينية، أظهر يعالون جوهر الموقف الإسرائيلي الذي يقضي بإبقائها في “غرفة الإنعاش” لاسيّما في زمن التخاذل العربي، معتبراً أن “حل النزاع سيكون أمراً مثاليّاً (يريد يعالون من خلال الشطر الأول لهذه العبارة إظهار وسطيّته)، إلا أن حلّه غير ممكن في الوقت الراهن”، ليتابع في المقطع التالي: “وبما أن الهوّات شاسعة جدّاً من أن يتمّ ردمها في هذا الوقت، يجب على إسرائيل إدارة الصراع بدلاً من محاولتها حلّه”.