مقالات تهامة نيوز
إبراهيم الوادعي
بشكل مفاجئ وبعد أقل من ساعتين فجر الاثنين من إعلان تخفيض نفطي داخلي بنحو 20 ريال وزير المالية السعودي محمد الجدعان يعلن رفع قيمة ضريبة القيمة المضافة ثلاثة اضعاف بواقع 15% مع إلغاء بدل غلاء المعيشة !.. ما هي ضريبة القيمة المضافة ؟ وما الآثار الاجتماعية والاقتصادية التي تحملها هذه الضريبة على الداخل السعودي؟
ضريبة القيمة المضافة هي ضريبة تفرض على كل عملية بيع في متوالية متسلسلة ومستمرة حتى تصل إلى المستهلك الذي يتحمل عبئها في الأخير، وهي تشمل كذلك الخدمات التي يحصل عليها المواطن وتقطع فيها فاتورة أو تذكرة.
وبشكل مبسط فرض ضريبة مبيعات بنسبة معينة على مبيعات البضاعة المستوردة أو المصنعة محليا سيضيفها التاجر على كلفة المنتج عند بيعها لتاجر الجملة والذي يضيفها بدوره على كل عملية بيع لتاجر التجزئة والأخير بدوره يضيفها على قيمة السلعة المباعة ليتحملها في النهاية المواطن.
وبشكل مبسط اذا كنا نتحدث عن ضريبة كالتي فرضتها الحكومة السعودية على مواطنيها صباح الاثنين 15 % فإن كلفة منتج مصنع او مستورد قبل الضريبة أو خدمة تقدم يساوي 1000 ريال، سيصبح بعد إضافة هذه الضريبة بقيمة 1150ريال، وهذا الأمر ليس ثابتا في حالة المنتجات الصغيرة التي لا يمكن احتساب السنتات المضافة وفق الضريبة المفروضة إلى القيمة ما قبل الضريبة بل قد يتضاعف سعرها حوالي 50 % لدى تجار التجزئة لعدم إمكانية حساب أو تحصيل مبلغ 150 فلسا أو 15 هلله بالنسبة للشعب السعودي المنكوب.
تعرض ضريبة القيمة المضافة عادة في الدول المتقدمة أو دول العالم الأول والتي وصلت إلى مرحلة من الدخول مرتفعة بالنسبة للأفراد وترغب في تقليص الاستهلاك أو خفض وتيرته.
أما بالنسبة إلى دول العالم الثالث ففرض هذه الضريبة هو نوع من الأنانية واللامبالاة لدى الحكومات بشعوبها، وأشبه بالقتل البطيء للشعب، ومثل هذه الضرائب تجهز على الطبقة المتوسطة لصالح بقاء طبقتين طبقة ثرية تكدس الأموال وأخرى مطحونة تعاني العوز والفاقة.
عادة ما يخلق فرض ضريبة المبيعات ” القيمة المضافة” في الاقتصادات النامية ركودا اقتصاديا نتيجة تدني عمليات التبادل للسلع بسبب ارتفاع الأسعار، وتراجع القدرة الشرائية لدى العامة، وهذا الأمر تخلقه الضرائب بشكل عام، لكن في حالة ضريبة القيمة المضافة فوقعها أشمل لكونها تطال كل سلع الحياة وحتى الخدمات، وهي أكثر وجعا بالنسبة للطبقتين الفقيرة والمتوسطة.
في الحالة السعودية وعقب القرار بفرض ضريبة مضافة بنسبة تصل إلى 15 في المائة وهي نسبة مرتفعة بالنسبة، نتحدث عن موجة غلاء ستطال كل شيء، حيث لم يستثن القرار أي سلعة غذائية او ضرورية بحسب ما أعلنه وزير المالية محمد الجدعان، وعادة ما تستثني الحكومات السلع الأساسية من هذه القيمة المضافة .
الأمر الآخر تلقى المواطن السعودي صفعة مزدوجة فالقرار تضمن بوضوح وقف غلاء المعيشة، مع بدء سياسات فرض الضرائب على المواطنين.
اليوم حتى هذا الغطاء الرقيق – بدل غلاء المعيشة- الذي كان يتمتع به الموظف العام في السعودية كشف عنه بالكامل، وجرى تعريته امام موجة غلاء جديدة وطاحنة، يواجهها بمرتبه فقط وربما ب 60% منه فقط، فمع تفشي وباء كورونا لا يتلقى الموظف السعودي وحتى العاملون في القطاع الخاص سوى رواتبهم، بل يواجه موظفو القطاع الخاص خفض رواتبهم بنسبة 40% بموجب قرار أصدرته الحكومة السعودية تحت مسمى القوى القاهرة، ويمنح القرار أرباب العمل كذلك حق إلغاء العقود، ما يعني أن علينا أن ننتظر بعض الوقت لنرى طوابير المفصولين من أعمالهم يتضورون وأسرهم جوعا في الشوارع، ويواجهون بلا شيء قرارات ارتجالية قاتلة للحياة.
تسجل السعودية نفسها واحدة بين أعلى الدول لديها بطاله تصل إلى نحو 13% حسب تقرير هيئة الإحصاء السعودية نهاية الربع الثاني للعام 2019م، وهذا الرقم لا يتحدث عن البطالة المقنعة لدى الدوائر الحكومية، وهؤلاء عددهم ليس بالقليل فالملوك السعوديين السابقين وحتى الملك الحالي اعتمد الوظيفة العامة وسيلة لامتصاص الغضب الشعبي، ومنع الاضطرابات الاجتماعية.
جميع هؤلاء يواجهون اليوم موجة غلاء مضاعفة ثلاث مرات حيث رفعت ضريبة المبيعات من 5% إلى 15 % دفعة واحدة وهذا ارتفاع كبير، وقد يدفع بما تبقى من الطبقة المتوسطة اقتصاديا أعلى إلى ما دون خط الفقر.
فئة موظفي القطاع الحكومي والقطاعين الخاص من ذوي الدخول المحدودة سيكونون الفئتين الاعلى تضررا بين فئات الشعب السعودي، ويمتد الضرر ليبلغ جميع الفئات ويجهز على الطبقة المتوسطة اقتصاديا بشكل ملحوظ قد تختفي معه إذا ما أخذنا بعين الاعتبار ازدواجية الضربة التي وجهها النظام السعودي للشعب ضريبة مبيعات مرتفعة ووقف بدل غلاء المعيشة، يضاف إلى ذلك الضرائب والأعباء المالية التي طالت جيب المواطن السعودي خلال السنوات الماضية خاصة اعتمادا على سكوتهم، مع استنزاف الخزينة السعودية في تمويل الحرب على اليمن وشراء الاسلحة والمواقف الدولية لغض الطرف عن قتل الشعب اليمني المحاصر والمعتدى عليه ظلما وبشكل فج يخالف كل المواثيق الدولية.
لا ندري كم من الوقت علينا أن ننتظر لنرى مظاهرات الكادحين تطالب بلقمة العيش في السعودية.
لا أعتقد – برأي الشخصي – انها بعيدة، سياسات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان اثارت حفيظة الكثيرين حوله وحتى من الأسرة المالكة والقبائل والطوائف، كذلك الإجراءات الاقتصادية التي تعتمد نهب المواطن، وضعت المقصلة على رؤوس ملايين السعوديين وتجعل منهم رافعة لأي تحرك سياسي سيظهر.
ما أعلن عنه وزير المالية محمد الجدعان ليس سوى البداية لإجراءات قاسية وأشد قسوة وتعتمد جيب المواطن السعودي وسرقة قوته، وقوته الشرائية منه، بعد ان استنفذت الاحتياطيات المالية في العدوان على اليمن ودفع اتاوات لأمريكا لحماية العائلة المالكة، واستدانة داخليا نحو 220 مليار ريال سعودي، والمملكة السعودية تبحث كذلك عن دين خارجي.
استباق الحكومة السعودية جرعة الغلاء بإعلان خفض طفيف في البنزين والسولار نحو 20 ريال سعودي، فيه مخادعة خبيثة، يعرف ملايين السعوديين وفي العالم أن النفط أضحى أرخص من علبة الماء، الأمر ببساطة أشبه بمحاولة إطفاء نار في الغابة بدلو ماء واحد.