الأخبارمقتطفات من هدي القران
وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ
الله عندما يأمر الناس بالإنفاق {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (البقرة: من الآية195) هل معنى ذلك أنك تتصرف يوم السوق بخمسة آلاف بستة آلاف؟ تشتري [لحم كثير] تشتري مصاريف كثيرة لبيتك؟ لا، كل إنسان يتحدث عنه القرآن هو عادة، وغالباً ما يكون موجهاً إلى ما هو خارج عن دائرة ومحيط شخصيتك..في سبيل الله.
مثل هذا العمل، مثل هذه المشاريع التي يتلقى فيها أبناؤنا علوم هذا الدين، الذي نحن جميعاً ملزمون به، الذي هو نعمة عظيمة من الله علينا الذي تتوقف عليه نجاتنا ونجاة أهلنا وأبنائنا يتعلمون كتاب الله الذي هو شرف لنا {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلونَ} (الزخرف:44).
الإنفاق في مثل هذه المشاريع هو واحد من مشاريع سبيل الله التي يقول الله لي ولك: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}.
هذا هو ما أريد أن أقوله في مقدمة الكلمة مباركة لجهود كل من عملوا، وجهود الطلاب أنفسهم الذين كانوا يستمعون باهتمام وإصغاء وإقبال، ويلتزمون ويتأدبون ويتوجهون بتوجيهات أساتذتهم. نقول للجميع: نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل منا، وأن يبارك جهودنا جميعاً.
فإن كان لي من كلمة – أيها الإخوة – ترتبط بهذا المقام فإن أعظم الكلام هو كلام الله سبحانه وتعالى الذي جعله الله هدى وشفاء وموعظة ونوراً ورحمة وبصائر، القرآن الكريم في الوقت الذي يتحدث فيه عن الأعمال الصالحة، هو لا يقول فقط كما يقول لك أي شخص عندما تأخذ لك نوعاً معيناً من بضاعة ما وتتحرك به إلى أي سوق من الأسواق فتحصل على كذا وكذا، الأعمال الصالحة من ورائها ماذا؟ من ورائها نجاة من عذاب الله، من ورائها فوز برضوان الله سبحانه وتعالى وجنته.
فما أحوجنا – أيها الإخوة – ما أحوجنا إلى مثقال ذرة من الخير، إلى مثقال ذرة من الأعمال الصالحة تحسب لنا في رصيد أعمالنا يوم نلقى الله سبحانه وتعالى؛ لأننا جميعاً صائرون إلى الله، جميعاً سنغادر هذه الدنيا، سنقدم على الله سبحانه وتعالى.
فمنذ أن يقبِل الموت على الإنسان هناك يتذكر يقول: {رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} (المنافقون: من الآية10) عندما يهجم الموت عليه أولاً وهو فوق فراشه أو في أي مكان في أي بقعة من هذه الدنيا بسرعة، بسرعة يتحسر – وهي أول حسرة – رب لو أنك تمهلني أسبوعا أسبوعين، يوم أو يومين، وأنا مستعد أن أتصدق وأكن من الصالحين، أليست هذه حسرة؟ ناهيك عن الحسرات يوم الفصل، يوم القيامة، عندما يقدم الإنسان وصحيفته خالية إلا من الأعمال السوداء، إلا من القبائح، إلا من الفضائح، إلا من الكفر بنعم الله، إلا من الصد عن سبيل الله، فيكـون من يصيح عنـدما يؤتى كتابه بشماله، من وراء ظهره، يقـول: {يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ}(الحاقة: من الآية25).
تحسر أول حسرة عندما شاهد الموت وعلامات الموت {رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} هناك ينكشف للإنسان أنه ضيع حياته وضيع عمره، وهناك ينكشف للإنسان أنه شيء واحد فقط الذي كان لو اهتم به ووفره لنفسه لكان مرتاحاً عندما يأتيه الموت، فيرى بشارات النجاة بشارات السعادة، فيقال له لو عرض عليه أن يعود إلى أهله ويبقى لرفض، عندما يرى بشارات بما وعده الله سبحانه وتعالى به، وهو ما زال فوق فراشه، هناك يرى الإنسان عندما يتحسر أنه فقد الأعمال الصالحة، الأعمال الصالحة.
ولاحظوا هذه الآية التي هي تعبر عن الحسرة التي تواجه الإنسان عندما يرى ملائكة الموت، تحدثت عن الجانب المالي: {فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} ليقول لنا نحن، تحدث عن ظاهرة هي فينا جميعاً [أنا مؤمن] لكن لا يمد يده، ليقول لنا هنا أيضاً: لا تتصور، لا تعتقد أنه من الممكن أن تكون مؤمناً صادق الإيمان ولا تعترف بأن المال يشكل المحك الرئيسي في قضية الإيمان، في صدق الإيمان، في صدق العبودية لله سبحانه وتعالى.
إذا أنت تقول لنفسك: أنت مؤمن، أو أقول أنا لنفسي: مؤمن، ولكني لا أبذل مالي، لا أعطي، لا أعطي في سبيل الله، لا أدعم الأعمال الصالحة، لا أدعم المشاريع الخيرة، فلست بمؤمن، لست بمؤمن، ما أكثر ما تحدث الله عن الجانب المالي في القرآن الكريم، ودليل واضح أن ذلك الميت الذي يتحسر تذكر جانب المال، ظهر له أنه يبدو أن المال كان يعتبر عنصراً مهماً في مسألة النجاة، في مسألة النجاة يوم يلقى الله.
ألم يتذكر هنا: {فَأَصَّدَّقَ} وهو من كان قبل لا يمد يده إلى جيبه، ولا يخرج ريالاً واحداً في سبيل الله، في دعم الأعمال الصالحة، في دعم المراكز الإسلامية، في العمل على إعلاء كلمة الله؟ تذكر هنا عندما يقول: {فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} يبدو أن المال كان مهماً، وفعلاً هو مهم.
وسورة بأكملها جاءت في الجانب المالي لوحده.. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} (الليل:1-3) ثلاثة أيمان،أليست ثلاثة أيمان؟ من الذي يُقْسِم هنا، من الذي يقسم؟ هو الله، لماذا يقسم، أليس هو أصدق القائلين؟ في الواقع إن قضية المال بالنسبة لنا، لو يحلف عشرة أيمان ما يهتز لواحد راس، يؤكد بثلاثة أيمان، وهو أصدق القائلين، وهو من لا يحتاج إلى أن يقسم {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} أقسم بكل مخلوقاته {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى}(الليل:4) عملكم في هذه الدنيا مختلف متنوع، وكل عمل له غاية، وكل سائر على طريق له نهاية، إما إلى الجنة وإما إلى النار {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} (الليل:5) أعطى ماذا؟ أليس هذا حديثاً عن المال؟ بعد أن ذكر أن أعمالنا مختلفة، وتحدث من بداية العمل إلى غايته، ابتدأ في الحديث عن المال {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى} أعطى ماله واتقى الله، أعطى في سبيل الله ابتغاء وجه الله {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} (الليل:6).
وما أعجب هذه الآية، عودنا القرآن الكريم أن يقدم دائماً كلمة: {اتَّقُوا اللَّهَ} أليس هذا هو منطق القرآن؟ لكن هنا قدم الجانب المالي على كلمة {وَاتَّقَى} ليكشف لنا أهمية العطاء في تحقيق التقوى، في تحقيق الإيمان، في تحقيق أو الوصول إلى الغاية المهمة، الغاية التي هي فوز وفلاح ونجاة {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} بجزاء الله.
الله يقول لنا في القرآن الكريم: {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ}(الأنفال: من الآية60) يعطيك الله أكثر مما أعطيت هنا في الدنيا قبل الآخرة {وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ} لا تنقصون مثقال ذرة مما أعطيتم، بل يضاعف لكم، لكن هل نحن نصدق بهذه الحسنى؟ الحسنى معناها هنا الجزاء المرتبط بالجانب المالي للإنفاق، والجزاء الموعود بالأعمال الصالحة بشكل عام.
الجزاء المرتبط بالجانب المالي مثل قوله تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ}(سـبأ: من الآية39) كلمة: {فَهُوَ يُخْلِفُهُ} تساوي الحسنى {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى}الجزاء الحسن {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ} يوف إليكم: هو الجزاء من جهة الله سبحانه وتعالى بسببه أيضاً، أو هي من مصاديق كلمة: {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} هل نحن نصدق بهذه؟ أكثر الناس لا يصدق بهذا وهو يعلم أن الله سبحانه وتعالى هو ملك السموات والأرض، هو من بيده خزائن السموات والأرض، فهو من يستطيع أن يجفف كل منابع أرزاقنا إذا ما أمسك القطر قطر السماء المطر تتجفف كل منابع أرزاقنا، وتشحب وجوهنا، وتجف جيوبنا، وحتى مطابخنا ومنازلنا وملابسنا، كلها، كلها إلى الأدنى فالأدنى إلى الإنحطاط، إلى الذبول، أليس هذا معروفاً وواضحاً؟.
هذا الذي بيده كل شيء لا نكاد نصدق بوعده، لا نكاد نصدق بقوله: {فَهُوَ يُخْلِفُهُ} {يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ}؛ لهذا الجانب المالي، ليس فقط مرتبط باليوم الآخر، قضية مهمة فيما يتعلق بصدق إيماني بالله.
هل الله عندي عظيم؟ هل الله عندي مصدق؟ هل الله محبوب لدي أعطيه ما سألني؟ أقدم من أجله ما يطلب مني؟ فإذا لم أكن على هذا النحو فمعناه أن المائة الريال هي عندي أحب من الله، المائة الريال عندي أغلى من الله، المائة الريال عندي أعظم مما وعدني به الله في هذه الدنيا وفي الآخرة، فحتى إيماني بالله وإيمانك أنت بالله، الجانب المالي يستطيع أن يقضي عليه، يستطيع أن يهزه؛ ولهذا كانت قضية مهمة فقدمها في هذه الآية: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} (الليل:5) ييسر من البداية بعدما قال: أعمالكم مختلفة اتجاهين، بداية الإتجاه هو الإتجاه الإيجابي الذي هو الغاية الحسنة يبدأ بالجانب المالي {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} (الليل:5-6) فماذا؟ {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى}(الليل:7) في الدنيا وفي الآخرة.
دروس من هدي القرآن الكريم
محاضرة وأنفقوا في سبيل الله
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي
بتاريخ: 2/9/2002م
اليمن – صعدة
الله أكبر
الموت لأمريكا
الموت لإسرائيل
اللعنة على اليهود
النصر للإسلام