السعـودية تصل إلى “القــدس” قبل “صنعاء” ..!
M.N.A | لطالما كان تحرير فلسطين والدخول إلى عاصمتها القدس أنشودةً جميلةً تردّدت على أسماع الشعب العربي منذ نعومة أظافره، إلا أن الظروف الإقليمية من ناحية، والواقع العربي المزري من ناحية آخرى، أفضى إلى واقع جديد حرف البوصلة عن القضيّة الفلسطينية واضعاً “القدس” على الرف.
حلم الإجماع العربي الذي غاب عن جامعتها العربية منذ النكسة وحتى الإنتفاضة الاخيرة، يعود علينا اليوم بنكهة سعودية تسعى للحصول على هذا الإجماع من جديد، ولكن هذه المرّة، سعياً منها لتحقيق المصالح السعودية لا العربية، عبر الدخول إلى العواصم العربية، لا العبرية.
السياسة السعودية الجديدة التي بدأت مع إندلاع ما يمسى بـ”الربيع العربي” ووصلت إلى ذورتها إثر وصول الطاقم الجديد إلى الحكم، طاقم الملك سلمان، حاولت إسقاط الرئيس الأسد تحت شماعة “حماية الشعب السوري”، ودخلت بقوات درع الجزيرة إلى البحرين لقمع ثورته السلمية، فضلاً عن الفتنة التي نشرت بذورها في العراق عبر تسليح بعض الأطراف وحماية بعض المطلوبين للقضاء العراقي بتهمة “التآمر” على البلاد.
لم تقتصر مغامرات الرياض على دمشق والمنامة وبغداد، بل أدخل ولي ولي العهد وزير الدفاع محمد بن سلمان بلاده في نفق مظلم إثر شنّ عداون عسكري على اليمن يقترب اليوم من ذكراه السنوية الأولى تحت عنوان “شرعية” إبتدعوها بعد فشلهم في تمرير مشروع التقسيم الذي أسقط بموجب إتفاق السلم والشراكة. السعودية منذ اليوم الأول لعملية عاصفة الحزم وضعت جملة من الأهداف وعلى رأسها الوصول إلى صنعاء، العصيّة على الغزاة، إلا أن المقاومة اليمنية الشرسة عصفت بالحزم السعودي وجعلت قوات “آل سعود” تقاتل، بعد حوالي سنة من العدوان، لإستعادة مدينة الربوعة في محافظة عسير السعودية، كما حصل بالأمس.
الفشل السعودي في اليمن دفع بالرياض لإتخاذ سلسة من الخطوت التصعيدية على أكثر من جبهة، السورية منها واللبنانية والإسرائيلية. التصعيد السعودي لم يكن مستغرباً حيث تعتمد الرياض سياسة الهروب إلى الأمام بعد فشلها في أي محور فالفشل في البحرين، رغم قدرتها على إبقاء النظام دفعها للتوجه نحو سوريا، وفشلها في سوريا دفع بها لتعزيز أدواتها في العراق، والفشل الإقليمي أدخلها في عدوان عسكري على اليمن فشل في تحقيق أدنى أهدافه سوى تدمير الحجر بعد الفتك بالبشر.
على الجبهة اللبنانية، عمدت الرياض إلى شن عدوانين سياسي وإقتصادي بسبب نأي بيروت بنفسها عما تريده الرياض، ورغم كافّة حملات الإستجداء التي أطلقها ممثلوا الرياض في لبنان لا تزال السعودية غير راضية عن الواقع اللبناني حيث تسعى لجر البلد إلى ما لا تحمد عقباه سواءً بإسقاط الحكومة التي شاهدنا بوادرها مع إستقالة وزير العدل أشرف ريفي أوبالتحريض المذهبي الذي وصل إلى داخل المخيّمات الفلسطينية.
الجديد في خارطة السعودية الخارجية، دخول الكيان الإسرائيلي على خط المواجهة بشكل علني إثر كشف تل أبيب، عبر القناة العاشرة وبعد سماح الرقابة العسكرية الإسرائيلية بذلك، عن زيارة قام بها وفدٌ رسمي إسرائيلي رفيع للرياض قبل أسابيع، جاءت ضمن سلسلة من الزيارات المماثلة للمملكة في الفترة الأخيرة.
رغم أن الرقابة العسكرية لا تسمح بالحديث عن مضمونها واهدافها، إلا أن القراءة العامّة للمشهدين الإسرائيلي والسعودي تؤكد إلتقاء البلدين في نقاط عدّة على رأسها مواجهة محور المقاومة, بدءاً من طهران مروراً بدمشق وصولاً إلى الضاحية الجنوبية لبيروت.
لم يعد يخجل كل من الملك السعودي “سلمان بن عبد العزيز” والامراء حوله بالعلاقات القائمة مع الكيان الإسرائيلي لكنهم يؤكدون على ضرورة ابقائها سرية وضمن الغرف المغلقة، وفق القناة العاشرة الإسرائيلية التي تنقل عن امراء سعوديين قولهم للقادة الصهاينة خلال الاجتماعات: “إننا غير مهتمين بالفلسطينيين بل نريدكم الى جانبنا في كل ما يتعلق بالمواجهة مع ايران”.
نجحت السعودية، وقبل محور المقاومة وكافة الشعوب العربية بالوصول إلى فلسطين المحتلة، وعاصمتها القدس، عبر البوابة الإسرائيلية ذو لاءات ثلاثة من نوع جديد: لا حرب ولا مواجهة ولا مقاومة. “النجاح السعودي” هذا، يواجهة فشل ذريع في كافّة المحاور العربية دفع بالأخيرة لإجراء مناروة عسكرية كبرى، رعد الشمال، علّها تنجح في الدخول المباشر إلى الجبهة السورية. كل هذه التطوارت تتزامن وغرق سعودي في المستنقع اليمني دفع بالرياض للجوء إلى الكيان الإسرائيلي، علّه يمهّد لها الزحف نحو صنعاء بعد فشل كافّة التجارب السابقة.
في الحقيقة، إن تبدّل الواقع الجغرافي العلني بالوصول إلى الكيان الإسرائيلي قبل صنعاء يعكس الواقع التاريخي الخفي حول الموقف السعودي من القضية الفلسطينية. ولكن رغم كل الويلات التي نعانيها اليوم إثر الجنون السعودي، إلا أن هذا الأمر باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب، لأنه سيفضح “آل سعود” أمام الشعوب العربية والإسلامية ويرسم نهايتهم أسرع مما نتوقّع.