العدوان وتأجيج المذهبية.. رهانات خاسرة

استطلاع / رجاء  عاطف

تعايش الشعب اليمني مُنذ القدم بمختلف مكوناته الاجتماعية (الزيدية والشافعية والحنبلية والمالكية والصوفية والمكرمية) بل وحتى الديانة اليهودية، لم تكن مثار نزاع أو إقصاء فهي تشكل النسيج الإنساني اليمني المبني على الألفة والمحبة والإخاء والتعايش والقبول بالآخر وقيم الانتماء للوطني..
اليوم واليمن تشهد أكبر عدوان في تاريخها من قبل كيان آل سعود.. تصطدم محاولات العدوان بهذا التاريخ، حيث تخيب كل الرهانات وتخسر أمام نسيج اجتماعي وإنساني متماسك وإن اختلف مكوناته في الرأي واحترب بعضها يوما ما، لصراع سلطوي، لا يعني أن الصراع مذهبي أو عقدي كما يحاول أعداء اليمن إشعاله..
في هذا الاستطلاع الذي أجرته صحيفة الثورة مع مجموعة من نخبة ومثقفي وشباب المجتمع اليمني، سنفنّد ركائز التعايش المذهبي والتماسك المجتمعي اليمني، مع تبيان خسران عدوان اليمن في محاولاتهم إذكاء الصراع على غرار التجربة العراقية والسورية.. إلى التفاصيل:

تاريخياً.. تُعَد الصراعات الدينية المذهبية في تاريخنا الإسلامي وحتى في التاريخ الأوربي وتاريخ العالم، هي أكثر العوامل والأسباب التي تقف وراء حروب دموية لأنها تقوم على إقصاء ونفي وإلحاق الهزيمة بالأخر بصورة مطلقة وهذه مهمة في الغالب مستحيلة وما تنجح فيه هو تدمير النسيج الاجتماعي للشعوب والأمم والأوطان وتقسيمها إلي جماعات مشبعة بالضغائن والأحقاد والكراهية التي لا نهاية لها، والأسوأ ان هذا يأتي في سياق مخططات لعبة الأمم التي لها مشاريعها مصالحها اقتضت تفتيت منطقتنا إلى دويلات طائفية ومذهبية متناحرة، وكل توجهاتها ومساعيها هي رسم خارطة جديدة لمسميات براقة كالشرق الأوسط الجديد او الكبير..

مراقبون ومهتمون بالشأن اليمني يؤكدون في هذا السياق أن اليمن تميزت عبر تاريخها الوسيط والحديث على سائر بلدان الشرق الأوسط والجنوب العربي بقيم التعايش بين المذاهب، وبل الأديان.. وبالتالي لا خوف عليها من الذهاب إلى مآلات مذهبية سيئة. مشددين على ضرورة أن تعي جميع الأطراف اليمنية، أن عليها النظر بعمق إلى صور ومشاهد ما جرى ويجري اليوم في العراق وسوريا وليبيا ليدركوا ويستوعبوا أن مصلحتهم ومصلحة الشعب اليمني في عدم الإيغال في خطاب التحريض والشحن المذهبي المتطرف الذي هو في صيغته القديمة اتخذ تسميات الروافض والنواصب وصيغته الجديدة الروافض والتكفيريين والدواعش والصفويين، مع ان الصراع الآن وقديما هو صراعاً سياًسيا على السلطة من أجل مصالح دنيوية لا علاقة لها بدين أو مذهب أو طائفة ولا فرق حتى بالنسبة للديانات الأخرى ونحمد الله إننا في اليمن في غالبيتنا الساحقة مسلمين.

خسران الرهانات
تزيد الرهانات وتتلون مسارات وأطياف الخطاب الإعلامي للعدوان السعودي تجاه ما يجري في اليمن من حرب مفتوحة مع مرتزقة لا هم إلا السلطة أو يموت الشعب اليمني، وغزاة لا هدف لهم سوى احتلال اليمن، وما يجرى في وضح النهار من عدوان سافر طال المدنيين الأبرياء والأسر الآمنة، على أنه صراع مذهبي( سني شيعي زيدي شافعي وووو).
هذا ما أشار إليه  الدكتور جمال الحيدري – رئيس شعبة الدراسات السياسية بمركز الدراسات الإستراتيجية العسكرية بوزارة الدفاع- مؤكداً في توصيفهم لمعطيات ما يحاك ضد اليمن، أن كل هذه المحاولات والرهانات لن تنجح ستخسر على صخرة التعايش اليمني المذهبي..
وأضاف الحيدري: إن الشعب اليمني متعايش مع كافة المذاهب ولا يوجد فرق بين الشافعي والزيدي وإنما هناك ممن يحاولون زرع الفتنه بين أفراد المجتمع وهم قله يحملون أجندة خارجية لتمزيق النسيج الاجتماعي تحت هذه المسميات ، فالشعب اليمني شعب عريق تجمعه عقيدة واحده وشعب أصيل متماسك وقوي العزيمة والإرادة وأي مراهنة على تفكك وتشظي شعبنا وامتنا تعتبر محاولات فاشلة .

موضحاً أن شعبنا ? يؤمن بالصراع العقدي والمذهبي، وهناك مجموعة فسدة ومرتزقة  يستخدمون الدين والفروقات المذهبية، كذريعة لتمرير مصالح سلطوية تدعمها قوى العدوان.. غير أن اليمنيين نجحوا في تجاوز الفخ المذهبي الذي يراد لهم أن يقعوا فيه وذلك بفضل تاريخ اليمن العريض من التعايش والتسامح الذي يعتبر صفة من صفات الشعب اليمني قبل المذاهب وبعدها.. وقال أيضاً: في الحرب والسلم نحن شعب شهد لنا الله ورسوله بالوسطية والاعتدال والحكمة والفطنة.. أما الخزي والعار فهو لكل المراهنين على والمذهبية واليمن بلد التعايش والمحبة والسلام عبر التاريخ.

استحالة الانجرار
من جانبه يرى الدكتور علي العمّار – أستاذ الصحافة بكلية الإعلام جامعة صنعاء، أن اليمن تمر  بمنعطف خطير، دماء تسفك ووطن يدمر , وتدمير للنسيج الاجتماعي من خلال محاوله الأعداء بتوصيف ما يجري على أنه ضربا من صراع المذهبية والمناطقية وكما لو أن ذلك وهماً يطفو على السطح.. وقال : رغم مراهناتهم الخاسرة بمحاولة الفرز المذهبي للمساجد وكذا الشحن الطائفي من قبل بعض وسائل الإعلام غير المسؤولة أو بعض المنابر إلا أن الشعب اليمني أدرك هذه الخطورة مبكرا ورفض الانجرار وراء مخططاتهم الإجرامية وأصبح أنموذجا للتعايش السلمي فالجميع سني شيعي يصلي في أي مسجد ومع بعضهم البعض لأنه أساسا لا توجد طائفية في اليمن وما نرجوه هو عدم السماح لأحد خصوصا من بعض رجال الدين بالتعبئة الدينية الخاطئة للناس من أجل بغض طائفة أو مذهب معين  من أجل آثاره النعرات المناطقية والسلالية والمذهبية وليظل شعارنا هو التعايش السلمي والقبول بالآخر.

مشروع وطني
أما العقيد علي أحمد الغانمي – يعمل في دائرة المشاة بوزارة الدفاع- فيرى أن إثارة النعرات المذهبية لأي شعب تمثل خطراً على تماسك النسيج الاجتماعي ولمواجهة هذه الأخطار علينا أن نعمل سوياً للقضاء على التطرف المذهبي والمناطقي والجهوي، وهنا يرى أن الصراع بلباس ديني كارثة يجب مواجهتها بمشروع وطني تشارك فيه كل القوى السياسية وكل الخيرين من أبناء هذا الوطن حتى تمضي سفينة الديموقراطية والسلم والتعايش والتسامح في سلوكنا الفردي والشخصي..
من جانبه قال القاضي رضوان العميسي: خاسر كل من يراهن على بث روح الفرقة بين أبناء الشعب اليمني الواحد لأن اليمنيين أثبتوا منذ فجر التاريخ الإسلامي وفي حقبه المتعاقبة أنهم أمة واحدة غرست في أعماقها حبها لدينها ووطنها فحملوا الإسلام بأخلاقهم ورقي تعاملهم فاتحين به الدنيا شرقا وغرباً وحملوا مع رسالتهم تلك صورة مشرقة عن يمنهم الميمون..
وأضاف العميسي: عاش اليمنيون ولازالوا إخوة متحابين متعاونين متآلفين متجانسين حتى وإن اختلفت توجهاتهم المذهبية فظل الزيدي والشافعي جنبا إلى جنب في مسجدهم ومسكنهم وعملهم لا أثر بينهم لاختلاف مذاهبهم بل لم يكن من المتعارف بينهم أو المتبادل مسألة انتماءاتهم المذهبية أو نسمع بها إلا قريب حين اكتسى الصراع السياسي برداء المذهب، وذاك شأن ذي صلة بالساسة أما المواطن البسيط فرغم ما مر ويمر به الوطن من أحداث جسام وحرب ضروس أهلكت الحرث والنسل وحاول الساسة في الخارج قبل الداخل إضفاء نفس المذهبية على هذا الصراع إلا أنهم ولله الحمد باءوا بالفشل والدليل أن اليمنيين في كل المناطق خارج مناطق صراع الساسة يعيشون إخوة متحابين جنبا الى جنب من كل المناطق وباختلاف توجهاتهم ولا فرق بين زيدي وشافعي وشمالي وجنوبي وفي هذا دليل على أن ما حصل أو يحصل من خلافات خارجة عن هذه القاعدة فهي ذات بعد سياسي يحركه أرباب السياسة ولكن مشروعهم فاشل وسيفشل بإذن الله والله غالب على أمره..

رفض التعصب
“وكانت ولم تزل وستظل اليمن دولة وشعباً رافضة للتعصب”.. هذا ما ألمح إليه الدكتور خالد محمد الكميم أستاذ القانون الدولي العام، مؤكداً بان اليمن لم تكن يوما من الأيام من العهد التالي لعصر الرسالة الى تاريخنا المعاصر أرضا خصبة لنزاع بمعناه الحقيقي مذهبي كان أو طائفي، وأن تنوع الحركات السياسية المتعاقبة في اليمن والتي سرت في مضامين حكمها ما قد يعتبره البعض سيادة لمذهب بعينه فجميع الدويلات على إقليم العربية السعيدة وحتى وإن تسمت نسبة لأشخاص قامت باسمهم او دعوات لمذهب ليكون السند في الحكم والتطبيق، إلا أن ذلك لم يكن أو يثبت أنه كان سببا ومدعاة لحرب أو فتنة بين شعبنا العظيم بدينه وعرفه الراسخ في الود والتسامح وهي الحكمة بعينها التي شهد بها لنا سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، وأضاف لعلنا نستشهد بآخر أعمال أئمة اليمن حكما ولنصف قرن .. حيث كان مشهوداً عن الإمام يحيى وبعده الإمام أحمد ابتعادهم عن أي تعصب طائفي أو مذهبي ومسجل مثل هذا في مواقفهم وصلواتهم وسائر عباداتهم ومن خلال تنقلهم في الحكم من صنعاء الى تعز والحديدة .. وهكذا سائر اليمن.

وقال الكميم : إذا كان من واقع مؤلم تريده من يفترض انها الجارة العربية وحامية الحرمينإ إلا انها وللأسف تتفق ودعوتها الوهابية ذات النزعة الطائفية العنصرية المقيتة والتي تتفق بلا شك وبكل حزن نقولها مع الصهيونية العالمية في المآل لمصير الشعوب الحرة المسلمة في الشتات والتشرذم وبالتالي الضعف والوهن الحقيقي في قوام وكيان الدولة، وأخيرا فليس هناك أصدق من القول إن سلاح المذهبية يقتات به المجرمون وتنحر في مسالخه أرواح الأبرياء ويشرد بسببه الشرفاء وتباع بدراهمه الأوطان ويحرج عليه بعض أبنائه بأسواق المستعمرين.

تماسك المجتمع
الأستاذ التربوي وديع الزبيري يرى أن المجتمع اليمني يجهل حتى الآن الاختلاف بين المذهب الشافعي والزيدي، بل لا يريد المجتمع تتبع الفوارق التي ليست سوى خلافات في الفروع وليست في الأصول، إيماناً بأن الخوض في هذا جدل عدمي.. مضيفاً: رغم اختلاف مذاهبنا إلا أنه لا يوجد هناك ما يوحي بالفرقة والاختلاف بسبب ذلك بل وأكثر من ذلك لا أعلم مذهبي حتى وقت قريب وخلال الفترة الماضية لم أسمع أن هناك مسجداً خاصاً بالزيود أو الشوافع وغيره من المسميات المقيتة، مضيفاً أن الذين يعزفون على وتر المذهبية سيمقتهم ويرفضهم الشعب اليمني وتلعنهم الأجيال كائناً من كان، وأن عهر السياسة والمراهنات لن يستطيع تمزيق النسيج الاجتماعي لشعب – رضع الوطنية وحب الوطن والأرض والإنسان مع حليب الأم – عبر زرع جذور الاختلافات المقيتة والتي لا تخدم أحداً غير أعداء الدين والوطن .

جلباب الإيديولوجيا
وأضاف الزبيري: لا ندري لماذا تصر قوى الشر المتصارعة على جرنا إلى هاوية حروب من هذا النوع العبثي العدمي المدمر، في حين أن هناك مسارات سهلة ومتاحة ومفتوحة وكل ما هو مطلوب من طرفي الصراع الخروج من جلباب الإيديولوجية الدينية وعناوين يافطاتها المذهبية والاعتراف بالآخر والاستعداد على تقديم التنازلات المتبادلة والتفاهم والتلاقي على طاولة الحوار بغية الوصول إلى حلول وسط لتعود تلك القوى المسار العام الصحيح والسليم لكل اليمنيين والمتجسد بالمبادرة الخليجية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني ليكونوا مع الجميع يمضون باتجاه تطبيق هذه المخرجات واستكمال التسوية السياسية لتصبح تاريخية كونها قامت على أساس التصالح والتسامح والقبول بالآخر كند وشريك في المواطنة والانتماء لليمن وليس إلى تكتل عصبوي مناطقي أو قبلي أو طائفي أو مذهبي يتعاطى باستعلائية منبثقة عن وهم أن السلطة والسيطرة والهيمنة حقا له إما باسم السماء أو الغلبة الأرضية التي لا تنسجم مع منطق القرن الواحد والعشرين واستحضارها من أزمنتها الغابرة إلى زماننا لن يجلب إلا الدمار والخراب والتشظي والفوضى.. وفي هذا كما قلنا لا مصلحة لأحد وأكبر الخاسرين أولئك المراهنين على الفتنة المذهبية لتحقيق أهداف لهم لن تتحقق أبدا..

مقالات ذات صلة