ما بدا بدينا عليه

بقلم أحمدالحسني

قد لا يكون مناسباً في ظل التحشيد والقصف المستمر من العدوان في الساحل الغربي، أن نقول إن معركة الحديدة انتهت، لكن بإمكان المراقب الحكم بفشل ما يمكن تسميته غزوة الحديدة، وأنها كانت بالنسبة للعدو مخيبة للكثير من الآمال والأعمار. أما نحن فيمكننا الجزم بأننا سنقاتل عن كل شبر في بلدنا من المهرة إلى ميدي، ومن أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال، أياً كانت نتيجة المعركة في هذه الجبهة أو تلك، فلا انتصارنا في الحديدة يعني أننا مكتفون بها، ولا خسارة عدن يعني أننا قد تخلينا عنها. نحن نواجه تحالف عدوان دولي متعدد القدرات، بقدرات محدودة وإيمان غير محدود وحق لا تشوبه شبهة باطل وليس فيه ذرة لبس، وواجبنا هو أن نقاتل للدفاع عما بأيدينا منه، ولاسترداد ما غلبنا عليه. هذه هي معادلة المعركة التي نخوضها، فما دمنا نقاتل فنحن ننتصر، وهزيمتنا الوحيدة هي التقاعس عن الحق ومهادنة البغي علينا والعدوان على بلادنا. هي معادلة لا تدخل السيطرة الجغرافية التي يتهافت العدوان ضمن معاييرها في ربح المعركة وخسارتها، وإن كانت جزءاً مهماً من آلياتها. هذا ليس تنظيراً، ولكنها قراءة استثنائية لوضع استثنائي لمسنا فيه أن تهافت العدوان على السيطرة الجغرافية أوقعه في كثير من المستنقعات الكارثية بالنسبة له، وليس الساحل الغربي أولها، وثانياً أن تلك السيطرة الجغرافية للعدو لم تحدث فارقاً نوعياً في معادلة الحرب لصالحه، ولم تؤثر سلباً على العقيدة القتالية لمقاتلينا، أو تفت في عضد جبهة الصمود الوطني التي صار تضعضعها رهان العدوان الوحيد في كسب المعركة، ولأجله سخر كل إمكانياته منذ الأشهر الأولى للعدوان من حرب إعلامية واقتصادية وأعمال عسكرية. وليس سراً أن نقول إن معركة الحديدة هدفها الرئيسي اقتصادي وليس عسكرياً، وتستهدف المواطن اليمني عموماً، والضغط أكثر على الجبهة الداخلية، ولا تستهدف خطوط إمداد عسكري أو السيطرة على موقع استراتيجي من الناحية العسكرية.

إنها حملة عسكرية برية فاشلة أولى للسيطرة على الميناء الحيوي، لكنها امتداد لسلسلة محاولات لتعطيله بدءاً من توجيه رئيس المرتزقة بإلزام السفن المتجهة إلى الحديدة بالتحول إلى ميناء عدن، وما تلاه من قرصنة بحرية العدوان على سفن الحاويات المتجهة إلى الحديدة، وقصف كرينات الميناء ومنع تركيب الكرينات التي قدمتها الأمم المتحدة، إلى غير ذلك من الاعتداءات التي أثرت كثيراً على الطاقة الاستيعابية للميناء، لكن فشلها هذه المرة كان هزيمة عسكرية حقيقية، والنشاط المكثف للمبعوث الأممي وتصريحه لأول مرة عن اقتراب بدء المفاوضات يعكس تبرماً أممياً من مجاراة الفشل إلى ما لا نهاية، وبمعنى غير مبالغ فيه هي محاولة حليف ذكي إنقاذ تحالف الغباء السعوإماراتي من نفسه، ولكن هل سينجح؟ التجارب السابقة تقول إن كل المحاولات العاقلة لإنقاذ تحالف الغطرسة من نفسه باءت بالفشل، وعلى رأسها مبادرة كيري سيئة الذكر، ولكن الاحتمال يظل مفتوحاً، ولا عبرة بالتصريحات النارية لقادة المرتزقة ورئيسهم، فهم ليسوا في النهاية أصحاب قرار، أما بالنسبة لنا فلو قبلوا بوقف العمليات العسكرية في الساحل والجلوس على طاولة التفاوض دون شروط، فهذا جيد، وإن قبلوا بوقف القتال والتفاوض على أساس إشراف أممي على واردات الميناء لتكون جزءاً من تسديد المرتبات وتكملة العجز من عائدات اليمن المنهوبة، فتلك مبادرتنا وتدعم استقرار جبهتنا الداخلية، وتسهم في تخفيف الضغط الاقتصادي على شعبنا، وذلك ما نبغي، وإن اختاروا مواصلة القتال فلا جديد علينا، وما بدا بدينا عليه.

مقالات ذات صلة