” أزمة الغاز ” بين الأسباب الجذرية و الحلول الآنية ..!!

[16/مايو/2017م]

متابعات – تهامة نيوز

 محمد أحمد الحاكم

شهدت الساحة اليمنية خلال العقد الماضي الكثير من الصراعات السياسية بين الأحزاب و التنظيمات و المكونات الجهوية و القبلية , و الى جانب جميعها التدخلات الدولية المباشرة و غير المباشرة في الشأن الداخلي اليمني , لتفرز تلك الصراعات صورة جديدة من صور التغيرات السلبية , ساهمت الى حد كبير في خلخلة الوضع العام للدولة و المجتمع سياسياً و إجتماعياً و إقتصادياً و غيرها من تلك الجوانب .

من الطبيعي أن أي دولة من دول العالم المتقدمة تشهد العديد من التجاذبات و التقلبات السياسية بين المراكز المختلفة الحاكمه منها و المعارضة , إلا أن غالبية تلك القوى و المراكز تنئى بنفسها من أن تستخدم و توظف المصالح الإقتصادية للدولة و المجتمع بصورة سلبية بحيث تشكل ورقة ضغظ على الأنظمة الحاكمة كي تلزمها الخضوع و التنازل لصالح القوى المعارضه الأخرى .

ما تشهده الساحة العربية عامة واليمنية منها على وجه الخصوص , تشهد صورة مغايره تماماً لما يحدث في الدول المتقدمة , إذ أننا نرى القوى السياسية الرسمية و المعارضة وهي تقوم بتوظيف المصالح الإقتصادية للدولة و المجتمع للتأثير على بعضها البعض رغم معرفتهما جيداً لمدى الآثار السلبية التي قد يلحقونه على وطنهم من عجز تنموي و سياسي و إقتصادي لا يمكن و صفه .

هناك الكثير من الصور التي تنتهجها القوى السياسية بهدف التأثير على المراكز الأخرى , و لعل قطاع النفط و الغاز من أبرز تلك الوسائل التي إلتجئت إليها , لما لهذا القطاع من أثر شديد سلبي كان أو إيجابي , تنعكس آثاره بشكل مباشر على كل القطاعات الإنتاجية الأخرى , و نظراً لأن الشعب في ضل هذه التجاذبات البينية بين الأطراف السياسية المختلفة يشكل الطرف الأبرز من حيث التأثر بشكله السلبي و بصورة متنامية الى حد كبير , فأن مخيلتنا تعرج بنا نحو طرح العديد من التساؤلات المتشابكة مع بعضها البعض, لعل و عسى أن نجد من خلالها الإجابات المنطقية التي تمكننا من توصيف المشكلة و بناء الحلول الممكنة تطبيقها تفادياً لتكرارها و تجاوز عوائقها الكثيرة المؤثرة على الشعب حاضراً و مستقبلاً , حيث يبرز أهم تلك التساؤلات حول ماهية توصيف طبيعة تلك المشكلة ..؟؟ و ماهي صورها ..؟ و ماهي أبرز حلولها الممكنه تطبيقها سريعاً على أرض الواقع ..؟؟

إن توصيف طبيعة مشكلة الغاز و تحديد صورها و أبعادها الرئيسية مرتبط بالدرجة الأولى حول مجموعة من القضايا المرتبطة و المتفاعلة مع بعضها البعض, فمنها ما هو سياسي مرتبط بطبيعة التكوينات السياسية و صراعاتها مع مختلف المكونات السياسية الأخرى , و منها ما هو إقتصادي مرتبط بالسياسة الإنتاجية و التسويقية , و التي يمكن إيجاز جميعها في الآتي :-

أولا …. الجانب السياسي .

شكل الصراع السياسي الدائر بين مختلف القوى السياسية و الحزبية , وما يدور في فلكها من تعدد للعوامل المركبة و المعقدة لها ، والتي يتداخل في تركيبتها عدة عناصر ذاتية وموضوعية داخلية تتجلى في غموض وهشاشة البناء التنظيمي، وغياب الإيديولوجية المتماسكة، وتمحور بعضها حول قياداتها بشكل مباشر , دون تدعيم أهدافها و مبادئها العامة , أضف الى أن تعدد أجنداتها وارتباطاتها الخارجية ، وعدم وضوح أهداف الدول المتورطة في الشأن اليمني , كل ذلك أدى بدوره الى غياب الإرادة والقدرة لدى أطراف الصراع لتقديم تنازلات حقيقية , و بالتالي أدى بدوره الى عدم وجود قواسم مشتركة فيما بينها البين , تؤسس على إثره تسوية كاملة و شاملة تنهي صراعاتها البينية , وتنهي أي مشاكل سياسية و إقتصادية و عسكرية , و تعزز من الترابط و التلاحم المجتمعي .

وعلى ذلك نرى بعض القوى تلجئ الى مجموعة من السبل و الخطوات التي تؤثر بشكل مباشر على الأطراف السياسية الأخرى بهدف تقويض جهودها الرامية نحو تعزيز مكانتها و سلطتها , عبر وضع العديد من العراقيل و الصعوبات التي تشكل في نهاية المطاف نقطة ضعف عليها , ومن تلك الخطوات ما يلي :-

1- توظيف موضوع قطع الإمدادات النفطية و الغازية ضمن الصراع السياسي و العسكري عبر دفع برجال القبائل موالين لها لقطع خطوط الإمدادات المختلفة , كحركة إنتقامية من النظام القادم ولخلق الصعوبات أمامه، أبرزها خلق أكبر قدر ممكن من الخصوم والأعداء والطامعين قي االحكم و السيطرة على مختلف مفاصل الدولة , كما لا ننسى بأن هذا التوظيف ساعد كثيراً في خلق ما أسمي ” بالأسواق السوداء ” و ساهم في إتساع رقعتها في كل أرجاء البلاد , فشكلت تجارة رابحة لا حدود لها لأصحاب و تجار بيع و توريد الغاز , حيث أوصلت أسعار بيع أسطوانة الغاز الى حدود 400% أعلى من قيمتها الرسمية.

2- إن إيجاد ظروف معيشية صعبة للمواطنين يفقد القوى السياسية المسيطرة على مفاصل الحكم مبررات الحكم ويزيد من حجم المعارضين لها، و بالتالي تظهر هذه الأزمات تلك القوى في وضع الفاقد لقدرته في السيطرة على زمام حكم الدولة، كما أنها تبعث رسالة إيحائية للمواطنين مضمونها أن بقاء مثل هذه السلطة يعني تعطل الدولة وانهيارها كلياً , و أن عليهم فرض المزيد من الضغوط الشعبية على تلك السلطة كي تقدم على تقديم المزيد التنازلات المطلوبة المتمثلة في خروجها من السلطة.

3- قيام تلك القوى بإستخدام هذا الإسلوب عبر خلق الكثير من الأزمات السياسية المشابهة، وما تثمره من تعطيل للموارد الحيوية في الدولة يكون نابعاً من إيمانها بأن هذا الإسلوب سيشكل ورقة ضغط كبيرة و فعالة لا حدود لها تؤدي في الأخير الى إضعاف فاعلية القوى المسيطرة على هذه السلطة .

4- أضف الى ذلك فأن الفساد السياسي الحكومي ساهم بشكل كبير في ضعضعة القطاع النفطي و الغازي و بالتالي على الوضع الإقتصادي للبلاد بشكل عام .

ثانياً ….. الجانب الإقتصادي .

تعتبر المشاكل السياسية من أبرز المشاكل التي عصفت بالإقتصاد الرسمي للبلاد , فبسببها وضعت اليمن ضمن الدول العشرين الأكثر فشلاً في العالم نتيجة الكم الهائل من المشاكل السياسية التي أثرت بدورها على بقية الجوانب الأخرى و التي منها الجانب الإقتصادي , وما أنعكس عليها من آثارها السلبية لا يمكن لها ان تتحسن ما لم تتحسن الأوضاع السياسية بالدرجة الأولى .

هناك مجموعة من المشاكل العامة والتي ساهمت بشكل مباشر على الوضع العام للإقتصاد اليمني و على قطاع النفط و الغاز بشكل خاص , لما لهذا القطاع من أهمية حيوية مؤثرة بشكل رئيسي و مباشر على الإقتصاد , و يمكننا إيجازهما على النحو التالي :-

(أ)… المشاكل العامة

هناك نقطة رئيسية أثرت على الوضع الإقتصادي اليمني وهي وجود خلل هيكلي في تركيبة الاقتصاد اليمني، والذي نعني به وجود خلل في علاقة القطاعات الاقتصادية ببعضها البعض. إذ أن إقتصاد إي دولة يتكون من قطاعات ثلاث رئيسية هي:-
* قطاع الإنتاج و الذي يشمل التعدين و الصيد و الزراعة وغيرها .
* قطاع الصناعات التحويلية و الأولية
* قطاع الخدمات العامة .

إذ ما تم ملاحظته هو أن القطاعين الأول و الثالث هما أبرز القطاعات المهيمنة على الوضع الإقتصادي , في حين تضائل القطاع الثاني نتيجية تضائل حجم مساهمته , أذ أن المعيار الحقيقي الذي يعكس تقدم الدول اقتصاديا هو مدى قدرتها على استيعاب اكبر قدر ممكن من القطاع الثالث مقارنة بمستوى استيعاب بقية القطاعات الاخرى , اذ تصل نسبة الإستيعاب في القطاع الثالث الى نسبة 80% في الناتج المحلي , في حين ان نسبة القطاع الأول و الثاني لا تتجاوز 5% , و 15% على التوالي , بينما ما نراه في الوضع اليمني نجده مختلف تماماً , إذ نرى القطاع الأول قد شكل المصدر الوحيد لبقية القطاعات الأخرى, رغم ما يعانية هذا القطاع من مشاكل تجعله غير مستقر ومائل نحو التناقص الإنتاجي لهذا القطاع و الذي يبلغ 5% سنويا منذ العام 2002م , قابله زيادة في الإستهلاك المحلي بنفس النسبة السابقة , كل ذلك أدى الى تقليل نسبة فوائد المكاسب الإقتصادية التي تجنيها الدولة خلال فترات الإنتاج .

(ب‌) … المشاكل الخاصة

تعتبر أزمة الغاز و النفط من أبرز المشاكل و الأزمات التي تؤرق الشارع العام اليمني الرسمي منه و الشعبي على وجه الخصوص , إذ سجل العقد الماضي و حتى اليوم الكثير من المشاكل و الأزمات التي لم يتم إيضاح أسبابها وكيفية معالجتها , وعليه فأن يمكننا تفنيد طبيعة هذه المشكلة و تحديد صورها وفق الجانب الإنتاجي و التسويقي .

ما يمكنني قوله في بادئ الأمر هو أن قضية ” الغاز” هي قضية معقدة للغاية خاصة و أن تنامي مستوى المشاكل و الإضرابات و الأزمات قد بدأت في العام 2009م وهي نفس الفترة التي إنطلق العمل في منشئة ” بلحاف الغازية ” في شبوة , فبرزت قضية نسبة ما تنتجه المنشئة مع نسبة ما يحتاجة السوق الداخلي من هذه المادة .

تعتبر منشئة ” بلحاف ” من أكبر المنشئات الحيوية التي تمتلكها الدوله لما تملكه من مخزون استراتيجي هائل يعود على الدولة مليارات الدولارات التي قد تحسن من الوضع الإقتصادي لها , فعلى الرغم من أن هذه المنشئة تنتج حوالي أكثر من (6) مليون طن متري من الغاز المسال , بالإضافة الى ما تنتجة شركة صافر عبر حقول الغاز في مأرب و التي خصصت جميعها للتصدير الخارجي للإستفادة من عائدات بيعها وفق الأسعار الدولية , و على أن لا يتم ذلك التصدير إلا بعد أن يتم سد الأحتياج الداخلي الذي يصل الى ما يقارب (24) ألف برميل غاز يوماً , إلا أن واقع الأمر كان مغايراً تماماً لما تم الإتفاق عليه بين الحكومة اليمنية في ذاك الوقت مع الشركات الدولية مالكة حق الإمتياز في التنقيب و التصدير, فشكل هذا الواقع مجموعة من المشاكل الاقتصادية المؤثرة على الجانب الحكومي و الشعبي على المدى الطويل , تمثل أبرزها فيما يلي :-

1- تم تخصيص ما نسبته (2) مليون طن متري للتصدير الخارجي عبر شركة “كوغاز” الكورية بأعتبارها ثاني أكبر مسوق للغاز في العالم , تم بيعها كقيمة مقطوعة بواقع (3.2) دولار لكل مليون وحدة حرارية , بينما تم تخصيص بقية الكمية المنتجة التي تقدر بحوالي (4.6) مليون طن متري لشركتي ” توتال ” و ” سويس ” وفق السعر اليومي لبورصة ” هنري هوب ” الأمريكية حتى العام 2010م , و التي تتراوح بالتوازي مع نفس السعر الممنوح للشركة الكورية , وبناء على هذه التسعيرات فأنها شكلت خسارة كبيرة على الجانب الحكومي كونها لم تباع و فق السعر العالمي الذي يصل الى حدود (14) دولار لكل مليون وحدة حرارية .

2- تقدر نسبة الاحتياج الإستهلاكي المحلي من هذه المادة حوالي (24) ألف برميل يوماً , إلا أن ما يتم توفيره من تلك الحقول لا يتعدى (10) ألف برميل يومياً, بينما يتم سد الفارق من خلال قيام الحكومة بالإستيراد من الخارج عبر ميناء ” عدن ” و بالسعر العالمي بما يعادل ( 32 ) دولار عن البرميل مضاف اليه مصاريف النقل , الأمر الذي شكل أعباء مالية كبيرة جداً على الدولة .

3- بلغ إجمالي قيمة خسارة اليمن من احتياطي النفط و الغاز الخام المثبت أكثر من (5) مليار دولار خلال الفترة 2010م وحتى 2015م ,بما يعادل حوالي (49 )مليون برميل نفط خام بالإضافة إلى خسارة مضاعفة في (20) عاماً من النفط المكافئ (الغاز المنزلي LPG والغاز الطبيعي LNG) , وذلك من ثلاثة حقول صافر في مأرب , و بأن عائدات بلحاف لن تتجاوز 10 مليار دولار خلال 20 سنة خلاف ما تم توقعه من أن يصل الى (30) مليار دولار خلال ( 25) عاماً .

4- على الرغم من أن اليمن يستهلك ما بين ( 5- 7 ) مليون إسطوانة غاز في الشهر إلا أن البعض يرى أن من أسباب أزمة الغاز هو عدم وجود خزانات إحتياطية في المدن الرئيسية , لما لها من أثر مباشر في التوزيع و سد الإحتياج .

عموماً … قد تكون تلك هي أبرز النقاط الرئيسية التي شكلت تلك الأزمة المستفحلة , وعلى الرغم من تشعبها وتشابك خيوطها التي توحي صعوبة حلها , إلا أنه يمكننا إيجاز بعض النقاط التي تساعد الى حد كبير في فك عقد خيوطها , و تعالج أسبابها وبما يمكنها من تجاوزها مستقبلاً ,وذلك من خلال النقاط التالية :-
1- سرعة العمل في تنفيذ النقاط (12) و خاصة فيما يخص تفعيل مؤسسات الدولة و مراجعة أدائها و ربطها بالواقع للقيام بمسؤولياتها وواجباتها , وكذا تفعيل قانون الطوارئ لمواجهة الطابور الخامس , وبالتالي تطهير مؤسسات الدولة من الخونة الموالين للعدوان , أضف الى ذلك وجوب تفعيل مؤسسات القضاء و اللجنة الإقتصادية و الأجهزة الرقابية بهدف قيام الجميع بمسئولياتهم في محاربة الفساد و الحد منه , ولا ننسى بأن ضبط الموارد المالية و إصلاحها يساهم الى حد كبير جداً في تلافي كل العوائق المالية التي تواجهها الحكومة و بما يتيح في إيجاد الفرص التشغيلية و الإستثمارية المختلفة .

2- الشروع من جديد في التفاوض مع الشركات الدولية بهدف تصحيح بيع أسعار الغاز المسال و الوصول به الى الأسعار العالمية وفقاً لآليات التفاوض الخاصة بتعديل أسعار الغاز و المقرة من قبل مجلس الوزراء , وبما يمكن الجانب الحكومي من تفادي أزمتها المركبة نتيجة نقص في السيولة المالية بسبب ما يتم شراءة من السوق العالمية من هذه المادة لسد الإحتياج المحلي , و تعديل نسبة التخصيص المحلي من ما يتم إنتاجه من حقول الإنتاج بهدف الوصول الى الإكتفاء المحلي و عدم الإستيراد .

3- على جميع الأطراف السياسية المتصارعة مع بعضها البعض إستشعار المسئولية الملقاة على كواهلهم , من خلال تجنيب كل الموارد المالية للدولة في صراعاتهم وعدم اللجوء في إستخدامها بهدف التأثير على بعضهم البعض , و بما يمكنهم من تغليب المصلحة العامة على مصالحهم الشخصية .

مقالات ذات صلة