بماذا تنبئ “التحركات الإماراتية” في جنوب الوطن،و ما علاقتها بأحداث الربيع العربي..وهل “سايس بيكو2” أحد أهداف تلك التحرك
بقلم/مروان حليصي
أثارت التحركات الإماراتية في السواحل والجزر اليمنية وجنوب البلاد عامة في إطار العدوان الكثير من التساءولات لاسيما وأن الإمارات دويلة حديثة العهد، ولا يوجد لها حدود جغرافية مع اليمن ، ولا يتواجد لها نفوذ في الداخل مرتبط ببعض التيارات والاحزاب العقائدية او المشائخ والقيادات العسكرية فقدته وتود إستعادته مقارنة بالسعودية التي اعتمدت في نفوذها في البلاد على الإخوان المسلمين فرع اليمن “حزب الإصلاح” بأجنحته الثلاثة العسكري والقبلي والديني وبعض القادة والمشائخ الأخرين، ولسنوات قريبة كانت الامارات غائبة كليآ عن المشهد السياسي في الجزيرة والمنطقة ، ولم يسجل لها أي نشاط بهدف غرس نفوذ لها هنا او هناك ، وحضورها في الملفات الساخنة او ساحات الصراع الملتهبة كاد ان يكون عدمآ ، ولم يكن يكاد يظهر وجودها إلا مع بدء موجة الإحتجاجات التي هبت على بعض الدول العربية تحت مسمى ثورات الربيع العربي ، وتحديدآ في ليبيا وسوريا، عندما شاركت عسكريآ في الأولى وأسقطت نظام القذافي بالتحالف مع حلف الناتو والسعودية وقطر ، ودعمها الجماعات المسلحة في الثانية لأسقاط نظام الأسد.
وخلال تلك الاحداث كان حضورها في اليمن هامشيآ ، حتى جاء العدوان الامريكي السعودي على الشعب اليمني في مارس 2015 الذي هي عضو رئيسي فيه ، حيث لم يكن يرى اليمنيين في مشاركتها السعودية في الحرب على بلادهم إلا من باب الحفاظ على البيت الخليجي من التصدع وان مشاركتها جاءت تنفيذآ لرغبة سعودية وبعد إلحاح قيادة المملكة في ذلك ، إلا ان حكامها فجأة كشرو عن انيابهم، وأظهرو حقدآ غير مسبوق على اليمن، واصبحت دولتهم تتصدر الدول المشاركة في العدوان، وتجاوز وجودها الأهداف المعلنة للعدوان وهي دعم شرعية هادي المنتهية ، وتحولت من دولة تقدم مساعدة للشرعية المزعومة الى دولة احتلال ملكت نفسها حق التصرف في كل صغيرة وكبيرة تتعلق بإدارة المحافظات الجنوبية ، ومنحت نفسها حق تعيين المسؤولين وإقالتهم في المحافظات الجنوبية على كافة المستويات ، وعمدت الى تبني الجناح المتشدد في الحراك الجنوبي المنادي بالإنفصال عبر تعيين قياداته في هرم السلطة في محافظة عدن بشقيها المدني والأمني لتمكينهم من الاستفراد بالقرار السياسي ، وشرعت في تقوية شوكتهم من خلال تقييدها لسلطات هادي وإضعاف التيارات والجماعات الدينية الأخرى المناوئه لها بهدف تمكينهم وتقوية نفوذهم وبسط سيطرتهم على كل تفاصيل الحياة في عدن والجنوب عمومآ ، حتى تتمكن من تحقيق مشروع إنفصال جنوب البلاد تنفيذآ لأجندة امريكية بريطانية وصهيونية.
إلا ان تصعيدها الأخير في جنوب البلاد بإعلان ادواتها تشكيل المجلس الجنوبي بقيادة عيدروس الزبيدي مثل خطوة متقدمة في مسار استكمال فصل الجنوب عن الجسد اليمني وتقسيم الجنوب نفسه عبر تنظيمها وتبنيها سابقآ لما يسمى “بمؤتمر حضرموت الجامع” الذي هدفت من خلاله الى إقامة اقليم حضرموت لوحده بعيدآ عن الجنوب ، وهو ما يفهم من تحركاتها تلك وكأنها الخيار البديل الذي لجئت اليه دول الإستكبار العالمية لتحقيق أهدافها الاستعمارية وتنفيذ مشروع التقسيم (سايس بيكو2) وتحديدآ في تلك الدول التي فشلت فيها أحداث العام 2011 (ثورات الربيع العربي)في انجاز أهم اهدافها وهو تحويل تلك الدول الى فاشلة وتهيئتها لمشروع التقسيم، لإستكماله على مراحل متتالية مدروسة بعناية ، و منها اليمن الذي تجاوز محنة تلك الأحداث ، وكأن تحركاتها وأدوارها في اليمن هي بمثابة الخطة “ب” لتنفيذ مشروع القوى الاستعمارية في تقسيم البلاد الذي مثل العدوان المدخل المناسب له ضمن مشروع التقسيم الذي يستهدف عدد من الدول العربية.
حيث تجاوز تحركاتها في الشأن اليمني ضمن العدوان في جنوب البلاد حجمها ومستواها ، من خلال شروعها في بناء قاعدة عسكرية في جزيرة ميون لصالح الأمريكان بعد تهجير سكانها من منازلهم مقابل بعض التعويضات المالية، وهو عمل صبياني و استفزازي للشعب اليمني ويتعارض مع التشريعات الدولية ، وإحتلالها لجزيرة سقطرى وشروعها في تغير ديموغرافيتها و إستبدال طابع الحياة فيها الى الإماراتي عبر تجنسيها للعديد من سكانها وتمليك الاراضي فيها للموالين لها والحاملين جنسيتها . حيث تقوم باستغلال حاجة سكان الجزيرة من خلال عملية تجنيسهم والإغداق عليهم بالمساعدات الإنسانية بهدف التأثير عليهم ومصادر قرارهم ، وشرعت مؤخرآ في توصيل شبكة اتصالات إماراتية وربطها بالجزيرة ، وإنزالها للعلم اليمني ورفع الإماراتي بدلآ عنه ، ومؤخرآ كثر الحديث عن وصول عدد من قادتها العسكريين الى الجزيرة بهدف بناء قاعدة عسكرية فيها ، فضلآ عن قيادتها مؤخرآ تنظيم “مؤتمر حضرموت الجامع” الذى أرادت من خلاله الى انفصال حضرموت عن البلاد عبر فكرة مشروع الأقاليم المرفوض شعبيآ ، حيث نصت وثيقته على اعتبار حضرموت إقليمآ لوحدها ، مع احتفاظ المحافظة بحق الانسحاب من الدولة الإتحادية “يحق لابناء حضرموت ترك الاتحاد متى ما رأو انه لم يعد على النحو الذي اتفقو عليه” ، ما يؤكد النوايا المبيتة في تجزئه البلاد وتحويلها الى كنتونات صغيرة ، وذلك بالتزامن مع تحشيدها العسكري وتصعيدها في السواحل الغربية للبلاد بهدف إجتياحها والسيطرة عليها وصولآ الى محافظة الحديدة .
وتشغل هذه التحركات الكثيرين لأنها لا تنطبق على دويلة سكانها اقل من سكان محافظة يمنية واحده ، وهو ما يعطينا استنتاج واحد وهو أن الإمارات تعمل لتنفيذ أجندة دولية في اليمن تهدف الى تقسيمه وإضعافه عبر تطبيق “سايس بيكو2” على اراضيه، علاوة على كسب بعض الامتيازات التي تنالها لاحقآ ، لأن بقاء اليمن قويآ ومتماسكآ ومحافظآ على وحدته الترابيه يقلق الامريكان والصهاينة ويشكل تهديدآ كبيرآ على المشروع الامريكي والصهيوني في المنطقة باعتباره اصبح مصنفآ لديهم ضمن محور المقاومة والممانعة ، لاسيما وانه يحتل موقعآ استراتيجيآ مهمآ جعله محل اطماع دائم للغزاة والمستعمرين منذ الاحباش ومرورآ ب الاتراك ومن ثم البريطانيين ، ولديه الكثير من العوامل الأخرى التي تمنحه لعب دور مهم وبارز في المنطقة ، ومنها شريطه الساحلي الذي يتجاوز طوله 2200 كيلو وتنتشر على طوله العديد من الجزر على امتداد البحر الاحمر ومرورآ بخليج عدن وانتهاء بالبحر العربي، وإطلالته على مضيق باب المندب الذي يحتل المرتبة الثالثة عالمياً بعد مضيق هرمز من حيث الأهمية وتعبره سنويآ 21 الف سفينة تجارية، وتمر من خلاله ثلاثة ملايين وثلاثمائة ألف برميل نفط، بما نسبته 4 بالمئة من الطلب العالمي على النفط، فضلآ عن الثروات النفطية والمعدنية التي في باطن ارضه العذراء ، وليس أخرها عامل السكان الذي قد يصل الى 30 مليون في غضون الأعوام القادمة، وقد كان بروز زعيم حركة انصار الله السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي بهذه السرعة كقائد ميداني اصطفت خلفه جموع الشعب خلال ثورة ال21 من سبتمبر الذي هو قائدها ، ونجاحها في إنهاء نفوذ السعودية الممتد منذ عقود من الزمن في أيام معدودة من خلال طرد حلفاءها وأدواتها في البلاد من حزب الإصلاح ، هو من أهم العوامل التي سرعت بالامريكان والصهاينة في تنفيذ مخطط تقسيم اليمن ، ولكن هذه المرة عن طريق المراهقة دويلة الإمارات التي غامرت بعلاقة الود التي تربط اليمنيين بالإمارات حكومة وشعبآ منذ عهد الراحل المؤسس زايد بن هيان رحمة الله عليه، وتحول أمراءها في عشية وضحاها الى أشرار وأكثر عدائية للشعب اليمني الذي أشترو خصومته، بتوليهم وكالة تنفيذ مشروع الشرق الاوسط الجديد في اليمن الذي اعلنته كوندليزا رايز عام 2009 ، و الهادف الى إعادة رسم الخارطة الجيوسياسية للمنطقة بما يتلاءم مع المصالح الصهيونية وذلك عبر تمزيق وتقسيم الدول التي تمثل عائقآ امام المشروع الامريكي الصهيوني في المنطقة الى كنتونات صغيرة يسهل إقامة العلاقات مع بعضها وترويضها وتعجز الأخرى عن مواجهة المشروع، حيث سيكون التواجد الإمريكي في نسخته الثانية(سايس بيكو2) هذه المره بديلآ عن الفرنسي مع بقاء البريطاني، وسيذهب نصيب الأسد لصالح الكيان الإسرائيلي، وذلك في نفس التوقيت الذي قد بدأت تظهر فيه ملامح المشروع في العراق وسوريا وليبيا.