«التحالف» يجوّع الجنوبيين لإجبارهم على الالتحاق بالجبهات
لقمان عبدالله
كل التفسيرات لما يحدث في جنوبي اليمن تسير صوب نتيجة واحدة: تحالف العدوان يغلق منافذ الحياة ومجالات العمل على الشباب حتى يدفعهم إلى ساحات القتال، فهل من يلقي بهم إلى الموت يريد لهم «الحرية»؟
تستمر الأزمات المختلفة التي تعصف بأبناء الجنوب اليمني، وما تكاد تعالج أزمة حتى تظهر أخرى إلى العلن، فمن انتشار الفوضى الأمنية وعصابات النهب والسرقة المنظّمة إلى فوضى امتلاك السلاح وانتشاره، والميليشيات التي تتحكم بالسلطة تحت مسمى «المقاومة»، وليس أخيراً إلى الفساد المستشري حتى النخاع في كل مؤسسات الدولة، بالإضافة إلى الغياب التام للسلطة القضائية أو الرقابية.
أما عن الأجهزة الأمنية فحدّث ولا حرج، بل أفضل توصيف لها مع حسن الظن بها أنها ميليشيا مناطقية يتقاسم قادتها النفوذ والمغانم، فيما تقسم المناطق بينهم وفق قدرتهم على البلطجة وفرض أنفسهم كأمر واقع.
لقد تعمدت السلطة المدعومة من «التحالف العربي» الاستغناء عن الطواقم الأمنية والعسكرية والقضائية (ضباطاً وقضاة) وكذلك الكادر المتخصص في مؤسسات الدولة وأحالتهم إلى بيوتهم، من دون أي مسوغ قانوني أو أخلاقي، وفرضت في مواقعهم آخرين أتت بهم من الفصائل والميليشيات المتنفذة من ضمن عملية التقاسم والمحاصصة، وذلك من دون الرجوع إلى المواصفات العلمية والأكاديمية، أو الخضوع للتدريبات اللازمة لشغل تلك المواقع، بل إن بعض الأقسام الشرطية والقضائية والعسكرية يقودها أشخاص معروفون بسجلهم الإجرامي وترويعهم للمدنيين، ولا يزالون يمارسون الدور نفسه، لكن هذه المرة بغطاء أجهزة الدولة وآلياتها، ودعوى الحرص على تطبيق القانون.
اللافت في الأمر أن النظام المتبع حالياً في المحافظات الجنوبية هو أن التنظيمات المتطرفة، التي يحمل معظمها الفكر التكفيري وتتداخل فيه أيضاً مع «القاعدة» بعدد من الجوانب، تحوز حصة وازنة في السلطة، وهم ممثلون عبر جناحين: الأول: القوى السلفية، وهذه يرعاها ويعنى بشؤونها وزير الدولة هاني بن بريك، والثاني: «حزب الإصلاح» (الإخوان المسلمون)، ومن الطبيعي في مثل هذه الحالة أن ينتشر في المؤسسات الرسمية، وضمن الوظيفة، الزي والأدبيات المتطرفة، بالإضافة إلى الاختراقات الأمنية.
في السياق نفسه، صار معتاداً في عدن وبقية المحافظات الجنوبية تكرار وقوف السيارات بالمئات أمام محطات المشتقات النفطية بسبب الأزمة النفطية المفتعلة من أعلى القيادات السياسية في البلد. هذه الأزمة تستمر قرابة أسبوعين فيرتفع الصوت، وبين ليلة وضحاها تنفرج من دون معرفة أسباب وقوعها أو طريقة معالجتها، لكن المتنفذين يكونون بذلك قد كسبوا جولة وزادوا مكاسبهم على حساب البسطاء والفقراء من الناس.
في غضون ذلك، تستمر عمليات القتل التي تنفذها عصابات مستأجرة لأهداف متعددة، وأحياناً للقتل من أجل القتل، وانتشرت ظاهرة النقاط العسكرية المتعددة على نفس الطريق والمحمية بالدبابات وبالآليات العسكرية الثقيلة الأخرى، والمقسمة ضمن نظام المحاصصة على الفصائل، وهي تفرض الخوات على القاطرات المحملة بالبضائع، ومن عدد من النقاط العسكرية، وغالباً ما يحمل الناس العبء الناتج من ارتفاع الأسعار بسبب تلك الخوات.
أيضاً، تستمر معاناة الجرحى الذين جرحوا وهم يقاتلون إلى جانب «التحالف»، وكل واحد من هؤلاء الجرحى يسرد قصة كاملة من الألم والذل في مستشفيات السودان والهند، والكثير منهم طردوا قبل انتهاء العلاج بسبب عدم دفع الفواتير المترتبة، وتعجّ الصحف والمواقع الإلكترونية بتلك القصص المؤلمة إنسانياً وأخلاقياً. في هذا الإطار، يطرح أكثر من سؤال: هل تعجز قوات «التحالف» عن إقامة مستشفى في عدن أو أي محافظة أخرى لمعالجة الجرحى الجنوبيين؟ بالتأكيد، إن دول الخليج التي تخوض الحرب على اليمن وتستخدم الشباب الجنوبيين كوقود لها، قادرة على بناء أحدث المستشفيات والإتيان بالأطباء المتخصصين من كل دول العالم، كما فعلت عندما جاءت بالشركات الأمنية من الولايات المتحدة وغيرها.
إن المراقب والناظر إلى المشهد الجنوبي سيجد العشرات من تلك الأسئلة، وإلى جانب كل سؤال سيتكرر سؤال مركزي: هل «التحالف» عاجز عن المعالجة؟ هل «التحالف» عاجز عن الإتيان بالكهرباء والماء والتعليم والصحة والأمن؟ والسؤال الأهم: لماذا تمنع دول «التحالف» الدولة من بسط الأمن والإتيان بالكهرباء والماء وغيرها؟ لماذا تمنع دولة الإمارات الاستفادة من ميناء عدن، ولماذا معظم بضائع عدن والمحافظات القريبة منها تستورد بضائعها عبر ميناء الحديدة، في وقت كان فيه ميناء عدن الثالث عالمياً؟
الجواب عن تلك الأسئلة واضح من دون عناء، وهو أن سلطات «التحالف» تعمل على إغلاق كل الأبواب والطرق أمام الشعب الجنوبي وحرمانه الصحة والأمن والتعلم والراتب… وفتح طريق واحد أمامه هو: إجبار الشباب على الالتحاق بجبهات القتال ضد الشمال نيابة عن الشباب الخليجيين المبتعثين إلى أميركا وأوروبا للتعلم أو للهو. لقد تواصلت «الأخبار» مع عدد من الضباط والنخب وحتى الجنود بحثاً عن الهدف من الذهاب إلى جبهات الشمال في القبع، أو ما يسمى حالياً «الرمح الذهبي» على خلاف عدالة القضية الجنوبية، فكانت الإجابة واحدة من الجميع: لقد أغلقوا كل السبل أمام الشباب، حتى إن الضباط والجنود في الثكَن لا تصرف رواتبهم، إنما تصرف لمن يذهب إلى القتال في الشمال!
نقلآ عن: الأخبار اللبنانية