القاتلُ الأولُ للمدنيين في اليمن.. أسلحةٌ أمريكيةٌ بـ 14 مليار دولار في 2015 فقط
تقرير أحمد داوود
تداوَلَت وسائلُ إعلاميةٌ متعددةٌ، يوم الثلاثاء الماضي، نقلاً عن وكالة رويترز، أن إدَارَة الرئيس الأمريكي باراك أوباما ستعلّق جزءاً من صفقات مبيعات الأسلحة للسعوديّة وستحد من الدعم العسكري لحملة المملكة على بلادنا.
المبرِّرُ الذي ساقته إدَارَةُ أوباما لهذا التصرف هو: “قلق أوباما حول الضحايا المدنيين في اليمن”.
نحن نفهم، كيمنيين، أن العُـدْوَان على بلادنا هو أمريكي في المقام الأول سعوديّ خليجي في المقام الثاني، وأن أمريكا لو أرادت إيقافَ العُـدْوَان لفعلت منذ الأيام الأولى، لكن ما حصل هو أن إعلانَ الحرب جاء من البيت الأبيض وليس عبر وزارة الدفاع السعوديّة التي كان من المفترَضِ أن يتم أولُ إعلان للحرب عنها، ثم لنتساءل بمنطقية: كيف يسكُتُ العالَمُ عن كُلّ هذه الجرائم للسعوديّة على اليمن لو لم تكن هناك موافَقةٌ ومباركة من الدول الكبرى، وفي مقدمتها أمريكا واسرائيل، فالسعوديّة بالتأكيد لن تجرؤ الدخول في حرب طويلة على بلادنا دون الرجوع إلى أسيادها هناك.
والواضحُ أن الأمريكيَّ من خلال هذه التصرفات يحاول التهرُّب من تبعات العُـدْوَان على بلادنا، وإلصاق التهمة بالسعوديّ، مع أننا ندرِكُ أن عُـدْوَاناً بشكل الحجم والتخطيط والحصار المطبق على بلادنا، كانت أمريكا هي الداعم الرئيس له، والمنفذ والمُخَطّط، ومنذ الأيام الأولى كانت غرف العمليات في السعوديّة تدارُ عبر الأمريكيين، وما الإماراتي والسعوديّ والقطري إلا أدوات فقط تسيّرهم واشنطن كيفما تشاء، وخلال عام واحد هو 2015 زوّدت أمريكا السعوديّة بصفقات أسلحة متنوعة وصلت قيمتها إلى أكثر من 14 مليار دولار.
إذاً، فالقلقُ الأوبامي هنا غيرُ مبرر، خَاصَّـة وأنه جاء مع الأيام الأخيرة لرحيله، وبعد مرور ما يقارب العامَين على قصف اليمن، ولم نسمع الرجلُ يقلقُ عن مئات الجرائم التي ارتكبها تحالُفُ العُـدْوَان على المدنيين في صعدة وحجة ومأرب وتعز والحديدة وصنعاء وإب وغيرها من المحافظات المكلومة.
ولو نعد قليلاً إلى شهر سبتمبر الماضي، فقد وافق مجلس الشيوخ الأمريكي بأغلبية على بيع أسلحة أمريكية للسعوديّة بقيمة 1.15 مليار دولار.
وشملت الصفقة أسلحة متنوعة من بينها 133 دبابة جديدة من طراز أبرامز، لتضيفَها السعوديّةُ إلى أسطولها البري، و153 مدفعاً رشاشاً من عيار 50 ملم، إلى جانب 266 مدفعاً من عيار 7.62 ملم من طراز M240، علاوة على منصات لإطلاق قنابل دخانية وعربات مدرعة ومعدات أُخْــرَى.
وقبل التصويت كانت التوقعاتُ توحي بعدم الموافقة، إذا كان الأمريكيون يدعون عدم تمرير هذه الصفقة لمخاوفَ كثيرة من بينها عُـدْوَان السعوديّة على اليمن وسجلها الضعيف في مجال حقوق الإنسان.
إذا، فالأمر ليست له علاقة بالقلق الأمريكي لما يحدث في بلادنا، وإلا لَأوقف مجلسُ الشيوخ الأمريكي بيع الصفقة للسعوديّة في 22 سبتمبر الماضي، وقد يكون الأمر له علاقة بالابتزاز الأمريكي المتواصل للسعوديّة والذي نشط في الأِشهر الماضية.
هذه الصفقة بالتحديد، أظهرت تقارير عبر وكالة رويترز أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما هو بنفسه عرض على السعوديّة هذه الصفقة وهو أكبر عرض تقدمه إدَارَة أمريكية للسعوديّة على مدى 71 عاماً من التحالف الأمريكي السعوديّ.
لِــمَ الاستياء إذاً؟
كُلُّ المعطيات تؤكِّدُ أن واشنطن تجني فوائدَ كثيرةً من وراء اشتعال الحرائق في منطقة الشرق الأوسط ومن العُـدْوَان على بلادنا، فشركاتُ الأسلحة انتعشت بشكل كبير في السنوات الماضية، واستمرار الحروب يعني طلبَ المزيد من الذخائر والمعدات وهو ما يعني كذلك استمرار انتعاش هذه الشركات.
وهنا مبررٌ خفي وراء القنوط الأمريكي على السعوديّة، يتمثل في اهتزاز أسطورة الأسلحة الأمريكية أمام قوة وصلابة المقاتل اليمني، فاليمنيون هم الوحيدون في العالَمِ الذين اعتلوا بأقدامهم دباباتِ الأبرامز، ووجّهوا التحذيرات لسلمان بأنهم قادمون إلى قَصْرِه في الرياض، والمقاتل اليمني هو الوحيد في العالم الذي أحرق الدبابات الأمريكية بولاعة.
يعد الجيشُ السعوديّ هو ثاني أقوى الجيوش العربية ويحتلُّ المرتبة 25 عالميًا طبقًا لتصنيفاتِ موقع جلوبال فاير لعام 2014، ويوجد على الأراضي السعوديّة قواعد عسكرية أمريكية لأغراض دفاعية وهناك علاقات وثيقة بين قيادة الجيَشين الأمريكي والسعوديّ، كذلك يعتمد الجيش السعوديّ على استيراد بعض التقنيات العسكرية الروسية في صفقات شبه دورية بين الطرفين تبلغ قيمتها مليارات الدولارات لتكونَ السعوديّةُ من أكبر الدول المستوردة للسلاح في الشرق الأوسط بتنوع كبير في المصادر بين الولايات المتحدة كشريك رئيسي وبريطانيا وفرنسا وروسيا ولكن بدرجاتٍ متفاوتة.
ووحدَها الحربُ على اليمن هي مَن فضحت أسطورة السلاح الأمريكي وبيَّنت حقيقة هشاشته وضعفه أمام المقاتل اليمني الذي استطاع خلال فترة المواجهات مع قوى الغزو والاحتلال في جبهات ما وراء الحدود أن يضع حداً لهذه الأسطورة بتدميره إياه بأبسط الوسائل والطرق البدائية، كما يقول الكاتب والمحلل السياسي إسماعيل المحاقري.
ويضيف المحاقري بالقول: “ما دون سلاح الجو لم يعد أمام السعوديّة من أسلحة أمريكية تتباهى بها وتراهن عليها لحسم معاركها بعد تدمير المقاتل اليمني أسطورة السلاح الأمريكي بما فيها دبابات الأبرامز ومدرعات البرادلي التي توصف بأنها مفخرة الجيش الأمريكي.
وخلال المواجهات ومع توغل مقاتلينا في العمق السعوديّ تنوعت الأساليب والطرق في استهداف المدرعات والآليات السعوديّة أمريكية الصنع رغم حداثتها ومميزاتها”.
ويواصل قائلاً: “ومن الاستهداف بالصواريخ المضادة للدروع إلى زرع العبوات وفرض الكمائن وصولاً إلى استخدام طرق بدائية لم يكن أكثر الخبراء العسكريين تشاؤماً بارتدادات العُـدْوَان على السعوديّة أن يفكر بها مجرد التفكير، وهو ما أصاب الجيش السعوديّ في مقتل وأثبت مدى تفوق المقاتل اليمني”.
ويقول المحاقري أيضاً: “وتجاوزاً لمشاهِــد اعتلاء أبطال الجيش واللجان على متن هذه الآليات وإلصاق رايات اليمنيين عليها رغم ما تمثّله من صفعة قوية للجيش السعوديّ وإلى جانب نزع أسلحتها على هذا النحو ليس ثمة ما يَذلُّ ويهينُ السلاح الأمريكي ويكشف حقيقةَ هشاشته وضَعْفِه أكبر من حرقها وتدميرها بهذا الشكل. سابقة في تأريخ الحروب حُفاة اليمن وأُباته يحرقون أعتى وأشهر الأسلحة الأمريكية بالأوراق الكرتونية ولحافات وأغطية الجنود السعوديّين وفي بعضها قليل من البنزين وقنابل يدوية”.
وَتشير تعدُّدُ المشاهد وتنوع السلاح المدمر إلى تراجع المعتدي وانهيار قواته، فهي كذلك تقدم صورة جلية على فضيحة أسطورة السلاح الأمريكي، ومشهد احتراق طقم تويوتا محتفظا بهيكله بجوار جيب همر أمريكي يمثل محطة لا بد وأن تستوقفَ المتابعين وهم يرون السلاح الأمريكي المدرع متحولاً إلى رماد.