الإخلاص لله سيقضي على كل السلبيات

من هدي القرآن ||
معظم بواعث التفرق هي: البغي، والحسد. والبغي والحسد منبعه هو: النظرة الشخصية، مصالح شخصية، حقوق شخصية، أهداف شخصية، ومقاصد شخصية.. أليس هكذا الله تحدث عن أولئك الذين تفرقوا من بعد أنبيائهم، أن ما كان يدفعهم للتفرق هو البغي هو الحسد. البغي من بعضهم على بعض اعتداءهم، ومتى ستعتدي على أخ لك في الله وأنت وهو منطلقان في ميدان العمل لله بإخلاص لله.
من الذي سيفرق بينكم؟ الله الواحد الأحد يمكن أن يفرق بينكم؟! وهو الذي لم يفرق بين أنبيائه جيلا بعد جيل، وهو الذي طلب منا كمؤمنين أن نؤمن بأن لا تفرقة بين أنبياءه {لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ}(البقرة: من الآية136) أبداً.. لا الله, ولا هديه، وإنما أنت أو أنا، إذا ما ابتعدنا عن الإخلاص لله سيظهر البغي سيظهر الحسد، ستظهر المصالح الشخصية، ستظهر المقاصد السخيفة، ستظهر الحماقة.
ثم حينها سيكون كل طرف قوي.. قوي في سبيل مواجهته للطرف الآخر؛ لأنه حينئذ أصبح يتحرك لتحقيق أهداف شخصية لديه، وما أحمق الإنسان وما أضعف إيمانه، وما أضعف يقينه بالله إذا ما كانت حركته قوية عندما يتحرك من أجل مصالحه الشخصية، ومن أجل تحقيق أهدافه ثم هو الضعيف الضعيف إذا ما كانت حركته لله وفي سبيل الله.
الإخلاص لله سيقضي على كل هذه السلبيات، على كل هذه الثغرات سيسدها. حتى تكون نيتك على هذا المستوى أيضا أنت من يفكر دائما في عظمة الله، وفي حاجتك إليه، وفي أنه وحده فوق كل طرف آخر ممكن أن تطلب منه شيئا أو تخاف منه شيئا، الثناء من قبله وحده عليك أعظم من أي ثناء من الآخرين عليك.
فمنه وحده أطلب أن ينتهي بنيتك إلى أحسن النيات، فقل: ((وانته بنيتي – يا إلهي – إلى أحسن النيات)) انتهِ بنيتي إلى أحسن النيات. هل أنِّي على هذا النوع؟ هل يكون هذا مقصدي؟ إليك أنت وحدك يا إلهي اجعل عملي على أحسن ما ترى، وجِّهْهُ إلى أحسن ما ترى. فأن يكون عملك في الله ومتى كان العمل لله انظروا ماذا عمل سبحانه وتعالى لأولئك من أهل البيت الإمام علي (عليه السلام) وفاطمة (عليها السلام) عندما تصدقوا بشيء بسيط لكنه انطلق منهم على هذا النحو: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً} (الإنسان:10).  هذه الروحية، هذه النية، تلك المقاصد هي التي جعلت حفنة من الشعير، أقراصاً معدودة تخلد ذكر أولئك الذين قدموها لمسكين واحد، وأسير واحد، ويتيم واحد، تخلد تلك الفضيلة وتلك العطية العظيمة البسيطة في القرآن الكريم، فنحن نقرأها لنعرف نحن كيف أن يكون همك هو أن تكون نيتك صالحة لله وفي الله، وأنت تعمل في سبيله، وأنت تقوم بأي عبادة من عبادات الله في صلاتك، في صيامك، في ذكرك لله، في حجك، في إنفاقك، في قولك الحق، في نصيحتك، في كل عمل تعمله يرضي الله أن يكون مقصدك فيه هو من أجل الله.
ستكون حينئذ الكلمة الواحدة يضاعف لك أجرها؛ لأن الله رحيم، فقط يريد منا أن نتجه إليه وأن نخلص له، أليس هذا هو أقل قليل يطلب منا؟. أما أنك تريد أن يرحمك، وتريد أن يدخلك جنته، وتريد أن يعمل لك كذا ويعمل كذا وكذا، وأنت حتى لا تتجه إليه؟!. هذه حماقة هذا أسلوب خاطئ جدا، هو يقول لك: اتجه إلي بعملك والقليل من عملك سأضاعفه، بل سأكتب آثاره {إنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ}(يـس: من الآية12) الله يكتب ما قدمت أنت من أعمال، ويكتب آثارها.
أليست هذه من أظهر مظاهر رحمته بنا؟. فقط يقول لنا: أخلصوا, أخلصوا. ولأن الإخلاص له وهو الشيء الذي لم يخرج عن القاعدة العامة لهدي الله: أن كل شيء من الإيمان بالله أوّلا والإخلاص له كل شيء له أثر في حياتنا، أثر في نفوسنا، أثر في وحدة كلمتنا، أثر في أن تكون أعمالنا ذات أثر – كما تحدثنا عن الإخلاص –  ليس أن الله يقول هكذا من منطلق الأنانية، هل يمكن أن نقول كذا بالنسبة لله؟. بل لأن كل شيء هدانا إليه حتى توحيده هو له أهميته الكبرى فيما يتعلق بنفوسنا, وفيما يتعلق بمسيرتنا في هذه الحياة, ليس هناك شيء من دين الله ليس له أثر في واقع الناس، في واقع الحياة، في صالحهم في الحياة في عزتهم في الحياة، في كرامتهم، في عظمتهم في سعادتهم في كل شيء، لأن الله هو غني عن عباده، أليس كذلك؟.
لو كفر الناس جميعا بالله لن يضروه شيئا، لن ينقصوا من كماله شيئا، ولأنه الكامل ولأنه الغني الذي لا يحتاج إلى أحد هو من جعل كل شيء من هديه ودينه ذو مصلحة لعباده الذين هداهم إلى هذا الدين وأرشدهم إليه ودعاهم إليه لمصلحتهم في الدنيا وفي الآخرة، لو تأمل الإنسان هذه الأشياء: المظاهر المتعددة لرحمة الله لوقف خجلا مستحيا أمام الله، في ميدان الإخلاص، يقول لك توجه إلي.
وأنت لو تأتي ببديهتك ومن أول نظرة لتقارن بين الله وبين غيره لن تجد أحدا ترى نفسك مندفعة إليه غير الله سبحانه وتعالى لترجو منه, وتخاف منه, وتتمسك به, وتثق به.
ويقول (عليه السلام): ((وانته بنيتي إلى أحسن النيات وبعملي إلى أحسن الأعمال)). كما أنه مطلوب منا في مقام الإيمان، في مجال اليقين [أن تسعى إلى درجة الكمال في إيمانك في يقينك في نيتك، كذلك في الأعمال نفسها] لا تكن ممن يرضى لنفسه أن يقف عند أعمال معينة أن يضع لنفسه روتينا معيّنا في الحياة في العمل لله.. حاول دائما أن تبحث عن أحسن الأعمال، أن تشترك في أحسن الأعمال، أن تدخل في أحسن الأعمال، بل أن تكون سباقا إليها، لا تقل: [المهم حسنات سيكفيني هذا، وقد قالوا بأن من عمل كذا سيكون له كم حسنات، ثم تعدها عشر، وعشر، ثم تنظر كم سيكون لك في السنة!].
الأمور ليست على هذا النحو، بل ربما أن الحسنات هناك لا تكتب لك إطلاقا إذا لم تنطلق إلى الأعمال الأخرى الكبرى، إن الأعمال الكبرى هي نفسها من تجعل للأعمال الصغرى قيمتها، من تجعل حتى الأعمال الصغيرة ذات أهمية كبرى.
أتدري أنك متى ما كظمت غيظك من أجل أن لا يشمت بك الناس، أو يقولوا قد أصبح يتشاجر فلان وابنه أو فلان وأخوه. هذا شيء جيد، لكن أن تكظم غيظك من أجل أن تحافظ على وحدة الناس الذين أنت تريد أن تنطلق معهم في سبيل الله، تكظم غيظك وتعفو عن صاحبك وعن أخيك من أجل هذا المقصد هو من يجعل لكظم الغيظ هنا وللعفو هنا أثره الكبير وأهميته البالغة، يعتبر جزءاً من الجهاد وعملاً من الأعمال التي تهيئ الأمة للجهاد, فما أعظم الجهاد الذي هو سنام الإسلام.
هكذا ابحث عن أحسن الأعمال؛ لأن أحسن الأعمال هي من تجعل أعمالك الصغرى التي قد ألفت عليها، وتجعل تلك الأعمال التي هي في متناولك يوميا تجعلها ذات قيمة كبيرة وأهمية بالغة.
أنت مرتبط بالكمال المطلق هو من جعل الوصول إليه كمالا متدرجا، كمالات، سلما من درجات الكمال في مجال الأعمال، في مجال الإيمان، في مجال اليقين، في مجال النية لتحظى بالقرب منه، كلما صعدت درجة في سلم كمال إيمانك كمال أعمالك، كلما كنت أكثر قربا منه، ألم يقل الله سبحانه وتعالى: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} (الواقعة:11)  السابقون هم من يختصرون المسافة, هم من يقفزون إلى الدرجة الوسطى في سلم الأعمال – قبل أولئك الذين يبدأون السُـلَّم من أسفله من أول خطوة فيه – ثم يقفزون إلى الدرجة العليا أو الدرجة الوسطى في سلم الأعمال فيكونوا أقرب من غيرهم من الله.
كيف نتصور القرب إلى الله؟ هل هو قرب أفقي أو قرب إلى تحت أو قرب في اتجاه العلو؟. نحن مفطورون على هذا الشعور: أن اتجاه القرب إلى الله هو في السُّمُو أليس كذلك؟. عندما يقول: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} هل تفهمون المقربين – هكذا – اتجاهاً أفقياً أو – هكذا – تحت؟ مقربون؛ لأن الله كامل, والله هو العلي العظيم, هو من يكون أولياؤه هم أولئك الذين يتدرجون في سلم الكمال إلى حيث ينتهي بهم الكمال الذي أراده الله لهم.
إذاً فلا بد للإنسان المؤمن من واقع حرصه على أن تكون أعماله ذات قيمة كبرى عند الله، ومن واقع حرصه على أن يحظى برضى الله سبحانه وتعالى، وهو يعلم أن هذا العمل سيكون لله أرضى، وسيكون فيه لله رضى أكثر من هذا العمل الذي أنا عليه، بل إذا انطلقت إلى هذا العمل الأكبر سيكون هذا العمل الذي أنا عليه أكثر رضى لله، وأنت من واقع حرصك على أن تحصل على رضى الله، والله هو من يجدر بنا أن نبحث عن رضاه، هو من يكون لرضاه أثره الكبير في حياتنا وآخرتنا، فانطلق إذاً لتدعوه سبحانه وتعالى أن ينتهي أيضا بعملك إلى أحسن الأعمال، عملي الذي أنطلق فيه اجعله يا الله من يمتد إلى أن يكون من أحسن الأعمال، وعملي بصورة عامة، جنس عملي ينتهي بي إلى أن أعمل أحسن الأعمال داخله.
فهل يدفعك أيضا إلى أن تنظر لعملك الذي أنت عليه، والأعمال تختلف بعضها أعمال تبدو صغيرة لكنها ممن يمكن أن يكون لها غايات كبيرة، لها امتداد عظيم، فاطلب من الله أن يساعدك على أن تسير في هذا العمل، ولأنك تعلم أنه بداية عمل كبير لأن أي عمل تنطلق فيه هو بداية عمل لإعلاء كلمة الله ومواجهة أعداء الله، فإن الكلمة الواحدة داخله، فإن الخطوة الأولى فيه هي مهمة.
أطلب من الله أن يساعدك على أن تستمر فيه لينتهي هذا العمل الذي أنت قد بدأته إلى أحسن الأعمال، وعادة العمل الواحد من هذا النوع هو من يشق طريقه في سلم تكامل الأعمال فيصعد إلى أعمال كثيرة أعمال كثيرة: من وحدة كلمة، من بناء أمة إلى أن تصبح أمة كما قال تعالى: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ}(المائدة: من الآية54). هذا هو سلم الأعمال نفسها، عملك من هذا النوع لا يقف على وتيرة واحدة، ستراه وهو يدخل إلى أعمال كبرى، ستراه وهو يمتد.. يمتد وهو يصعد في سلم الأعمال فترى أعمالا كبرى، وكبرى، وكبرى إلى آخرها.
أعمال أخرى هي قد تكون محدودة، وقد تكون نادرة، أنا لا أتذكر عملا واحدا إذا ما صلحت النية وصلح توجه الإنسان فإن كل عمل ينطلق فيه – باعتبار الأعمال كلها شبكة واحدة – يخدم بعضها بعض، فسيكون كل عمل له أثره في المجال الذي أنت تهتم به، للغاية التي أنت تريد الوصول إليها بالأعمال وبالأمة، الصلاة نفسها سيكون لها قيمتها، الزكاة نفسها سيكون لها قيمتها، الحج سيكون له قيمته أي كلمة تنطلق منك أو [شخطة] بقلم لكلمة تكتبها سيكون كلها من هذا النوع الذي هو يصب في قالب عمل يمتد ويمتد ليصل إلى حيث يعلي كلمة الله تعالى، ويعلي راية الله، إلى حيث يزهق الباطل، أوليست الأمة بحاجة إلى هذا العمل؟.
أوليس اليهود والنصارى هم من يعملون دائما على أن يزهقونا ويزهقوا أرواحنا ويزهقوا إسلامنا؟ يزهقوا ديننا، وكرامتنا، وعزتنا، واقتصادنا، وثقافتنا، وكل شيء؟.
لاحظوا.. هم من يسيرون على هذا النحو: يريدون أحسن الأعمال التي تكون أكثر تأثيرا في ضربنا، ويبحثون عن أكمل دائرة من الأعمال في الجانب السياسي، في الجانب الثقافي، في الجانب الاقتصادي، في جانب كذا، وفي جانب كذا لا ينسون حتى الأطفال لا ينسون حتى النساء، لا ينسون حتى الكبار ولا الصغار، لا ينسون أحدا أبدا أن يضلوه بأي طريقة، دائرة واسعة من الأعمال ينطلقون فيها ويبذلون في سبيلها المبالغ الكبيرة من أجل أن يزهقوا الحق، من أجل أن يزهقوا هذه الأمة في دينها وفي كرامتها كما قد فعلوا.
[الله أكبر, الموت لأمريكا ,الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود , النصر للإسلام] دروس من هدي القرآن الكريم /دعاء مكارم الأخلاق/الدرس الأول
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي
بتاريخ: 1/2/2002م
اليمن – صعدة

مقالات ذات صلة