
الشيخ الزلب.. قائد المواقف وصوت الحكمة وسط طوفان الدم والثأر
بقلم / جميل القشم
في بلد أنهكته صراعات الماضي، وأثقلته نيران الثأر، برز الشيخ محمد بن علي الزلب كقامة وطنية استثنائية، لا تصنعه المناصب ولا تغريه الألقاب، بل تصنعه المواقف الصلبة، والرسالة النبيلة، والإيمان العميق بأن السلام ليس ضعفا، بل شجاعة الرجال الكبار.
من أعالي المراغة بمحافظة عمران، انطلق الشيخ الزلب وهو يحمل الوطن في قلبه، يطارد النزاعات بثبات الرسل، مؤمناً أن الثأر لا يبني عزاً، ولا يرد كرامة، بل يهدم الإنسان قبل أن يهدم الحجر، ويزرع الخراب في حاضر الأجيال ومستقبلها.
كان وما يزال عقلا جامعا، وصوتا للحكمة حين تصمت البنادق، وحلقة وصل في أصعب الملفات القبلية التي استعصت على كثيرين، سنوات من العمل المضني، والمواقف الشجاعة، نجح فيها في إغلاق ملفات سوداء سالت بسببها دماء، وأعاد فيها الخصوم من ميادين الكراهية إلى ساحات الصلح والتسامح.
بجهد فردي، وإرادة لا تلين، وروح وطنية خالصة، ظل يتنقل بين القرى والقبائل، لا ليفرض رأياً، بل ليزرع المودة، وينزع فتيل الغضب، ويحيي روح العرف والشريعة، ويعيد للصلح هيبته وفاعليته، وقف في وجه الجهل والثأر، لا بسلاح، بل بكلمة، لا بجيوش، بل بحكمة، لا بتعصب، بل بعدالة وضمير حي.
لم يكن التكريم الذي ناله مؤخراً من الأكاديمية الأمريكية الدولية للتعليم العالي والتدريب، عبر منحه شهادة الدكتوراه الفخرية في حل النزاعات القبلية وتعزيز السلم الاجتماعي، إلا تتويجا لمسيرة رجل آمن أن السلام رسالة، وأن الصلح شرف لا يقل عن شرف القتال.
لقد اشتغل بصمت، بعيداً عن الأضواء، وكتب مآثره بعرق الميدان لا بحبر الصحف، سنوات وهو يسعى لإصلاح ذات البين، ولم شمل القبيلة وتثبيت ركائز السلام بين الكثير من أبنائها المتنازعين، حاملاً راية الحكمة، سفيرا للوئام، وحارسا للصلح في بلد يتعطش للتسامح.
إننا أمام تجربة يمنية نادرة تستحق أن تخلد وتحاكى، وأمام رجل لا يجب أن يظل حبيس جغرافيته، بل أن يقدم للعالم كأيقونة للسلام الأهلي، ونموذج حي لثقافة التصالح، في زمن تغرق فيه المجتمعات في بحور التمزق.
لم يكن الطريق مفروشاً بالورود أمام الشيخ الزلب، بل كان مفروشاً بالألغام، محفوفاً بالمخاطر، محاطاً بالمواقف الصعبة التي تتطلب شجاعة لا يمتلكها إلا من نذر حياته لإطفاء نيران الفتن، ومع ذلك، ظل ثابتا لا يتراجع، يختار الوقوف في خط النار ليصنع من الفوضى بداية للسلام، ومن الفقدان جسراً للعودة إلى العقل.
ولأنه ابن بيئته، العارف بأسرارها، المتغلغل في وجدانها، كانت كلمته هي التفويض، ومكانته هي الشرعية، وصدقه هو الضمانة، وقدرته على كسر الحواجز النفسية بين الخصوم لم تأتِ من فراغ، بل من تاريخ طويل من النزاهة، والعطاء، والحرص الصادق على الناس، والولاء الكامل لوطنه.
وفي زمن بات فيه الصلح عملاً نادراً، والعقل سلعة باهظة، والرجال قليل، يبقى الشيخ محمد الزلب شاهدا حيا على أن اليمن لا تزال تنجب حكماءها، وتخرج من رحم أزماتها من يصنعون منها فرصاً للسلام، إنه ليس فقط حارساً للصلح، بل ضمير حي ورسالة تجسد أن صوت الحكمة، وإن خفت أحيانا، لا يموت.
نعم، محمد الزلب ليس مجرد شيخ أو وجاهة اجتماعية.. إنه مشروع وطن، ورمز أصيل، وحارس للسلام والصلح، وصوت للعقل في زمن الضجيج والتشرذم، ورجل جدير أن تفتح له أبواب نوبل، تكريماً لرسالة لم يحملها إلا القلائل.