
الدورات الصيفية بالحديدة.. وعي متجدد في موسم جديد للعطاء التربوي
الإثنين، 09 شوال 1446هـ الموافق 07 أبريل 2025 الساعة 18:11:54
الحديدة- سبأ : تهامة نيوز : تقرير/ جميل القشم
مع إشراقة كل صيف، تعود المراكز الصيفية في محافظة الحديدة لتنبض بالحياة، وتتحول إلى مواسم تربوية تستنهض طاقات الأجيال، وتغرس فيهم قيم العلم والإيمان، وتمنحهم زادا معرفيا وروحيا لا يأتي من فراغ.
هنا في مختلف مديريات الحديدة، حيث تتلاقى حرارة الشمس مع حرارة الوعي، تنطلق الدورات الصيفية تحت شعار “علم وجهاد” لتعيد ترتيب الأولويات في نفوس النشء.
على امتداد المحافظة، من الريف إلى المدينة، بدأت الحياة تدب في المدارس والمساجد والمراكز، وتتزين جدرانها بشعار “علم وجهاد”، الذي بات عنوانا لموسم تربوي لا يشبه سواه، حيث تلتقي القيم الدينية بالمعارف، وتمتزج الروح الدينية والتربوية والوطنية بالمهارات.
ليست المدارس الصيفية مجرد مكان للتلقين، بل ساحة واسعة لتغذية العقول ومقاومة التزييف، وقد تحولت إلى خنادق متقدمة في معركة الهوية، هنا، لا يترك العقل فريسة للشاشات، ولا تترك الروح نهبا للفراغ، بل يروى الوجدان بآيات الله، ويشحذ الوعي بالدروس والنقاش والمشاركة والمعرفة.
داخل تلك القاعات البسيطة، تصنع فرق العمل التربوي برامج دقيقة، صممت بعناية، لتغرس المبادئ، وتفتح آفاق التفكير، وتكشف مواهب كادت أن تضيع في زوايا الإهمال، لا فرق بين نشاط فكري وآخر فني أو رياضي، فالجميع يصب في هدف واحد لبناء جيل يعرف من هو، ولماذا هو هنا، وماذا يجب أن يفعل.
تحت سقف هذه الدورات، يجد الأطفال والشباب بوصلة يهتدى بها في زمن كثرت فيه الأصوات وتبعثرت فيه الاتجاهات، إنها عملية تحصين جماعي ضد الغزو الفكري الناعم، الذي لم يعد يأتي بصوت مدفع، بل بنغمة تطبيق وخداع محتوى.
ومع كل عام، تزداد الدورات الصيفية نضجا، وتتحول من نشاط موسمي إلى مشروع وطني متكامل، في الحديدة، تبدو هذه المدارس وكأنها تصعد إلى مستوى المؤسسة التربوية، بدعم رسمي وشعبي يتجاوز الحضور الشكلي إلى التفاعل الحقيقي..
ولأن المعركة ضد التشويه الثقافي لا تخاض بالنيات وحدها، فإن التنسيق بين اللجنة الفرعية والتعبئة العامة، وبين المجتمع، هو ما يضمن للدورات بقاءها وتأثيرها واستمراريتها، لا كمشروع تعليمي، بل كمشروع نهضوي تنويري شامل.
في كل مركز، حكاية جديدة: طفل يكتشف موهبته في الرسم، وآخر يحفظ أول خطبة، وثالث يلمع اسمه في فريق كرة القدم، وجميعهم يخرجون بنظرة جديدة إلى أنفسهم، وإلى وطنهم، وإلى الحياة.
ليس هذا الصيف كأي صيف، وليس الطفل الذي يدخل المدارس الصيفية كما يخرج منها، في جميع مناطق ومربعات الحديدة، تبعث الدورات الصيفية برسالة قوية مفادها: نحن لا نكتفي بتعلم الدروس والمحاضرات، بل اعداد أجيالا تعرف كيف تحب وطنها، وتفهم دينها، وتواجه التحديات بفكرها وقيمها للنهوض بواقع الأمة من الشتات والضعف.
وهكذا، بينما تتجه أنظار البعض نحو البحر والفراغ واللهو العابر، تتجه الحديدة نحو الإنسان، تصنع من حر الصيف دفئا تربويا، ومن أوقات الفراغ فرصة لا تعوض، ومن الشعارات برامج، ومن الوعي سلاحا في معركة طويلة المدى.
وفي أجواء مفعمة بالإيمان والحماسة، وبالتزامن مع انطلاق هذه الدورات تحدث محافظ المحافظة عبدالله عطيفي، قائلاً” هذه الدورات ليست نشاط موسمي، بل محطة تربوية أساسية لصناعة الوعي وحماية الجيل من الثقافات المغلوطة والغزو الناعم، فكل مركز صيفي، هو خندق وعي، ومعركة على جبهة التربية”.
ويرى عطيفي، أن الرهان الأكبر اليوم هو على وعي الشباب، ولهذا تصمم الدورات ببرامج نوعية، لبناء الشخصية، وتعزيز الانتماء، وصقل المواهب، وتحصين العقول، لإنها معركة فكرية يخوضها المجتمع بأكمله، وهو ما يدفع بالجميع إلى مضاعفة الجهود كل عام.
اما وكيل أول المحافظة- رئيس اللجنة الفرعية للدورات والأنشطة الصيفية بالمحافظة أحمد البشري، في كل تصريح من تصريحاته، يكرر عبارة “الجيل هو رأس المال الحقيقي”، وكأنه يكتب بها دستورا تربويا جديدا، يؤمن بأن الاستثمار في الإنسان يبدأ من الطفولة، ويتجلى في مثل هذه المواسم التي تزرع الوعي والإرادة. لهذا يؤكد حرص قيادة المحافظة على تذليل كافة الصعوبات، وتهيئة الأجواء الملائمة لإنجاح الأنشطة الصيفية بكل الوسائل المتاحة.
لكن النجاح، كما يقول البشري، لا يصنع من جهة واحدة، فهو يدعو بوضوح إلى تفاعل مجتمعي واسع، وإلى شراكة حقيقية بين الأسرة، والمجتمع، والجهات الرسمية، من أجل حماية الجيل من السقوط في براثن الجهل والتشويه، فكل طفل يذهب إلى مركز صيفي هو نصر صغير يحتسب للوطن، وخطوة كبيرة نحو مستقبل أكثر وعيا وثباتا.
ومع توسع التجربة عاما بعد عام، تشهد الحديدة ازديادا لافتا في عدد المراكز وتنوع برامجها، ما يتطلب تنسيقا أكبر وجهودا أعظم، ويرى البشري أن التحدي الحقيقي هذا العام هو في الحفاظ على جودة المحتوى، وضمان وصول الرسالة إلى أعماق العقول والقلوب.
في قلب مدينة الحديدة ومديرياتها، ترسم اليوم خرائط جديدة للمستقبل، على هيئة دروس ومحاضرات، وألعاب هادفة، وحوارات تفتح المدارك، ومسابقات تكتشف الطاقات الكامنة، ليس هناك طفل بلا دور، ولا شاب بلا أثر، فالجميع شركاء في هذا البناء المعرفي والتربوي.
ووسط هذه الدينامية المتصاعدة، يحرص القائمون على المراكز على خلق بيئة تعليمية مرنة ومشوقة، تدفع الملل بعيدا وتستبدله بالشغف، فالتربية لم تعد تقليدية، بل تفاعلية، ترتكز على الإقناع لا الإملاء، وتمنح المتعلم مساحة ليكون فاعلا لا متلقيًا.
الوكيل البشري، بخبرته وقراءته العميقة للواقع، يعتبر أن هذه المراكز تشكل خط الدفاع الأول ضد التشظي الثقافي، والانفصال عن الهوية الإيمانية، لذا، فإن كل دورة صيفية بالنسبة له هي مشروع وطني متكامل، يجب أن يحمى ويدعم بكل الوسائل.
في صيف الحديدة، ليس هناك متسع للغفلة، فكل مركز وكل مدرسة وكل دورة صيفية هي جبهة، وكل محاضرة هي طلقة وعي، وكل نشاط هو خط دفاع عن الهوية والدين، إنها ليست فقط مراكز صيفية. بل مدارس تنويرية، ومنارات نجاة، ومحاضن رجال.