سوريا بين أنياب الغزاة والمتآمرين، احتلال يُرسم، وشعب يُسحل، وانتفاضة تلوح في الأفق!

إبراهيم مجاهد صلاح

في خضم التحولات الجيوسياسية العاصفة، تتجلى ملامح مشهد كوني تتقاطع فيه المصالح، وتتكشّف خيوط لعبة كبرى تُحاك على أنقاض سوريا، تلك الأرض التي تحوّلت إلى ساحةٍ مفتوحة لصراعاتٍ تتجاوز حدودها، وتُعيد رسم خرائط الهيمنة والنفوذ وفق أجندات استعمارية جديدة. وفي قلب هذه العاصفة، ينبثق تساؤل جوهريّ يضرب عمق الضمير الإنساني: من الذي منح الجيش التركي الحقّ في التدخّل السافر في الشأن السوري، ليواجه أبناء سوريا داخل بلدهم المُنهك، بينما يغيب دوره تماماً حين تقتحم آلة الحرب الإسرائيلية المدن السورية، وتمطرها بالقذائف دون رادع أو حساب؟

أيُّ منطق هذا الذي يجعل من تركيا قوةً مُتصدية حين يتعلّق الأمر بالسوريين، لكنها تتحول إلى ظل صامت حين يتعلق الأمر بالاعتداءات والتوسعات الإسرائيلية؟

إن هذا التناقض الفج بين الحضور التركي أمام السوريين والغياب التام أمام الاحتلال الإسرائيلي، يفتح الباب على مصراعيه أمام تساؤلات ملحة: هل نحن أمام مشهد يُدار وفق تفاهمات غير مُعلنة، حيث تتلاقى المصالح بين أنقرة وتل أبيب وأدواتهما المحلية المتمثلة بعناصر النصرة وداعش الذي تم صناعتها لهذا الغرض، لإعادة تفصيل الجغرافيا السورية بما يخدم مشاريعهم؟

أم أن الأمر أبعد من ذلك، حيث يتم تحريك بيادق الصراع وفق مخطط دقيق يهدف إلى تفتيت سوريا، وشرذمة مكوناتها لصالح قوى إقليمية ودولية؟

إن الجيش التركي الذي يعبر الحدود السورية، ليضرب بيد من حديد، ويشتبك مع أبناء الأرض، هو ذاته الذي يلوذ بالصمت حينما تنتهك الطائرات الإسرائيلية المجال السوري، وتعبر الدبابات والعربات الشوارع الرئيسية في المدن السورية ،لتقصفها وتحول القرى والمدن إلى أطلال. فهل يُعقل أن يكون هذا السلوك مجرد مصادفة؟

أم أن تركيا، التي ترفع شعار حماية أمنها القومي، ليست إلا جزءاً من منظومة أكبر، تتكامل أدوارها لإعادة رسم المنطقة، وفق رؤية استعمارية تُعيد إنتاج الخرائط السياسية بما يتناسب مع مصالح القوى الكبرى؟

أما نظام الجولاني، الذي ظهر ككيان يتغذى على الفوضى، فقد تحول إلى أداة منفذة في هذه المعادلة القذرة. هل هو مجرد أداة تُستخدم لخلق الذرائع، وتبرير التدخلات الخارجية، أم أن دوره أعمق من ذلك بكثير؟

إن الجرائم الموثقة، بالصوت والصورة، والتي تُظهر عمليات القتل والتنكيل، تثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن هذا التنظيم الإرهابي لم يكن يوماً دولة ولم يكن في مواجهة حقيقية مع إسرائيل التي احتلت اجزاء شاسعة من الاراضي السورية عند استلامة زمام الأمور في سوريا، بل إن هناك قرائن متزايدة على أنه جزءٌ من مشروع خفي يهدف إلى تمهيد الطريق أمام الاحتلال، لتفكيك الدولة السورية،بعد ان دمر السلاح وانهك الجيش ويريد الان إعادة هندسة مستقبل سوريا بما يتناسب مع المصالح الصهيونية

وفي ظل هذه الفوضى، يقف السوريون أمام مشهد لا يُمكن وصفه إلا بالكارثة، تركيا تهرول بجيشها حين يكون الضحية سورياً،يدافع عن نفسه ، وتصمت حين يكون المعتدي إسرائيلياً، ونظام الجولاني يُمارس دوره في تمزيق البلاد، وتهيئة الظروف للعدو الاسرائيلي، وكل هذا يجري على وقع صمت دولي مريب، يتجاهل هذه الانتهاكات المتكررة، وكأن سوريا قد تحولت إلى حقل تجارب لصراعات القوى الكبرى.

لكن الحقيقة التي يجب أن تُقال، والتي لا يمكن لأحد إنكارها، هي أن ما حدث من انتفاضة شعبية من الشعب السوري ضد الإجرام الجولاني لم يخرج يوماً ليكون أداةً لتنفيذ أجندات خارجية، ولم يكن تابعاً لنظام الأسد أو لغيره، بل خرج دفاعاً عن نفسه، عن وجوده، عن حقّه في الحياة على أرضه، وعن كرامته التي تُداس يومياً بأقدام الغزاة والمرتزقة. فكيف يُطلب منه أن يبقى صامتاً، وهو يرى القوات التي تُسمّى “الأمن العام”، والتي جُند عناصرها من الشيشان والترك وغيرهم، يقتحمون منازل السوريين، ويفزعون نساءهم وأطفالهم، ويُخرجون الرجال تحت الضرب والإهانة أمام عوائلهم، بحجة أنهم “فلول النظام”؟

كيف يُمكن لسوري حرّ أن يُغمض عينيه على مشاهد الذل هذه، وهو يرى أبناء بلده يُسحلون أمام عتبات بيوتهم، فقط لأن جهة أجنبية قررت أنهم خصوم لها؟

إن ما تنشره صفحات عمر مدنية وجميل الحسن وغيرهم يومياً، من مشاهد تُظهر هذه القوات وهي تعبث بحياة الناس، لم تعد مجرد مقاطع عابرة، بل أصبحت وثائق دامغة على حجم الكارثة. إن ما يحدث ليس سوى عملية ممنهجة، تهدف إلى إخضاع السوريين، وإجبارهم على تقبل واقع يُفرض عليهم بالقوة والترهيب. ولكن، كما أثبتت كل دروس التاريخ، فإن الضغط الذي يُمارس على الشعوب لا يؤدي إلا إلى انفجارها، وإن هذا الشعب الذي خرج قبل سنوات، لم ولن يقبل بأن يُساق إلى المسلخ صامتاً

مقالات ذات صلة