
عبادات بلا رحمة.. حينما يغيب جوهر الدين عن القلوب
جميل القشم
يحل رمضان شهر الرحمة والتسامح فتعلو الاصوات بالدعوة الى الصلاة والقيام والصيام. لكن المفارقة الصادمة ان بعضا ممن يدعون الى هذه العبادات يغفلون عن اسمى قيمها وهي الرحمة والعطاء. كيف لمن يخشع في صلاته ويتلو ايات الانفاق والعطف ان يغض الطرف عن جوع مسكين او دمعة يتيم وهو قادر على العطاء.
لم يكن الدين يوما مجرد طقوس بل هو سلوك واخلاق قبل ان يكون ممارسات ظاهرية. كم من اشخاص يحرصون على اداء الصلاة في اوقاتها ويقيمون الليل لكنهم لا يتورعون عن تجاهل المحتاجين. ربما يتفاخرون بولائمهم العامرة بينما هناك من يبيت بلا طعام. هؤلاء يمارسون تدينا شكليا يركز على الصورة لا الجوهر وهو نقيض لما جاء به الاسلام.
النبي محمد عليه الصلاة والسلام عندما سئل اي الاسلام خير قال تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف. جعل العطاء صفة من صفات الايمان الحق فلم يفصل بين العبادة والاحسان الى الخلق. من اراد القرب من الله فلابد ان يكون قلبه ممتلئا بالرحمة ويده ممدودة بالعطاء.
الصيام ليس مجرد امساك عن الطعام والشراب بل هو تجربة روحية تهدف الى تهذيب النفس واستشعار معاناة الفقراء. من يصوم نهاره ويشعر بالجوع لساعات كيف له ان يتجاهل من يجوع طوال العام. من يردد قوله تعالى ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما واسيرا ثم يبخل بما يفيض عن حاجته كيف له ان يدعي التقوى.
الاسلام لم يجعل العبادات معزولة عن القيم الانسانية بل جعلها مرتبطة بها ارتباطا وثيقا. النبي محمد عليه الصلاة والسلام قال من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في ان يدع طعامه وشرابه. العبادات بلا اخلاق او رحمة لا قيمة لها عند الله بل تتحول الى مجرد طقوس فارغة لا تؤثر في القلوب.
مع حلول رمضان تزداد مظاهر البذخ في بعض المجتمعات حيث تنفق الاموال على الولائم الفاخرة والمناسبات الرمضانية. في المقابل يظل الفقراء يترقبون يدا تمتد اليهم لتخفف عنهم قسوة الحياة. هذا المشهد يعكس خللا في فهم المقاصد الحقيقية للصيام فهو ليس تخزين الطعام بالنهار ثم تناوله بوفرة في الليل.
الغرض من رمضان ليس اشباع الجسد فقط بل تربية النفس على الاحساس بالاخرين ومد يد العون لهم. الاسلام حذر من هذا التناقض فجاء في الحديث الشريف ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع الى جنبه. كيف لمن يشبع ان يغفل عن جوع من يسكن في نفس المدينة بل ربما في نفس الحي.
رمضان ليس مجرد موسم للعبادات الشكلية بل هو فرصة لتجديد العلاقة مع الله عبر الرحمة والعطاء. من كان ميسورا فليبحث عن الفقراء قبل ان يبحث عن موائد الافطار الفاخرة. من كان حريصا على قيام الليل فليكن احرص على مساعدة المحتاجين فذلك القيام الحقيقي.
المجتمع بحاجة الى صحوة انسانية يفهم فيها الناس ان الايمان ليس مجرد ركعات بل هو قلب يرحم ويد تعطي ونفس تسامح. من اراد القرب من الله فليرحم عباده اولا والا فلا حاجة لعبادته الجافة. الرحمة هي جوهر الدين وبدونها تتحول العبادات الى حركات لا روح فيها.