سوريا… حين يسقط القناع وتنجلي الحقيقة

إبراهيم مجاهد صلاح

في زمن الانكشاف العظيم، باتت الصورة واضحة وضوح الشمس في كبد السماء، ولم يعد هناك مجال للشك أو التزييف. فلطالما تساءلنا: لماذا لم توجّه التنظيمات المتطرفة سلاحها إلا نحو الحركات المقاومة؟

لماذا لم نسمع يوماً في خطاباتهم المجلجلة تهديداً حقيقياً للعدو الصهيوني؟

لماذا كانت بوصلتهم الوحيدة موجهة نحو من أسموهم “أذناب إيران” و”المجوس” و”الروافض”، وغيرها من التسميات التي خدعت البسطاء من الناس، وسلّمتهم لمشاريع الفوضى والتدمير؟

الجواب لم يعد خافياً، فقد تكشّف المخطط، وبانت معالم المؤامرة… هذه الجماعات ليست إلا أدوات في المشروع الإسرائيلي-الأمريكي، بيادق يتم تحريكها متى استدعى الأمر، لضرب قوى المقاومة الحقيقية وإضعاف الجبهة التي لطالما كانت الحاجز الأخير أمام تمدد الكيان الصهيوني. العدو الإسرائيلي لم يكن بحاجة إلى حرب مباشرة، فقد أوجد داخل الجسد العربي خناجره المسمومة، زرع الفتنة، وأطلق الوحوش تحت شعارات دينية زائفة، لخدمة مشروعه الأبدي: إقامة ما يُسمىٰ “إسرائيل الكبرى”.

ولهذا الغرض، صُنعت هذه التنظيمات الإرهابية، وأُطلقت في الدول العربية العصية، تلك الدول التي بقيت عصيّة على الاختراق، محافظة على هويتها، ومقاومةً لكل مشاريع الهيمنة. فكانت الفوضى هي السلاح الأمثل، وكانت هذه الجماعات الوقود الذي أشعل الحروب داخل الجغرافيا العربية، لتتفكك الجيوش، وتنهار الحدود، ويُفتح الطريق أمام الحلم الصهيوني دون طلقة واحدة من بندقية إسرائيلية.

واليوم، نشهد فصول الخيانة تُعرض على شاشات الإعلام الإسرائيلي، الذي لم يعد يجد حرجاً في إعلان تحالفه مع أدواته، وعلى رأسهم الجولاني، الذي كان يوماً أحد قادة تنظيم القاعدة في سوريا، ثم ظهر اليوم بوجهه الحقيقي، داعياً للسلام مع إسرائيل، متحالفاً معها ضد أبناء جلدته، بعدما أنهى مهمته في تدمير سوريا وجيشها واستنزاف قواها.

لكن المفارقة العظمى، والتي تشهد عليها السنوات الماضية، أن العدو الإسرائيلي لم يكن يجرؤ على إسقاط نظام الأسد أو دخول سوريا شبراً واحداً، قبل أن تفقد المقاومة أحد أركانها العظام، شهيد الإسلام والإنسانية، القائد السيد حسن نصرالله رضوان الله عليه. من كان يتخيل أن نظاماً صمد 13 عاماً، رغم أعتى الحروب، كان متكئاً على حركة مقاومة، وليس على التحالفات السياسية أو العسكرية؟

وبعد استشهاد هذا القائد الاستثنائي، انهار النظام في ثلاثة أيام، رغم وجود الحليف الروسي بجانبه، في مشهد يثبت أن المعركة الحقيقية لم تكن تدار في العواصم، بل في ميادين المقاومة، حيث الرجال الذين لا يُستبدلون ولا يُعوَّضون.

إنها لحظة الحقيقة، حيث يسقط القناع عن وجوه العملاء، وحيث يظن العدو أنه قد انتصر، لكن دروس التاريخ تقول غير ذلك. فكما سقطت مشاريع الغزاة من قبل، سيسقط هذا المخطط أيضاً، وكما أُسقطت أدوات الاستعمار القديمة، ستُسقط هذه البيادق التي باعت شرفها للعدو. وإن ظن الكيان الصهيوني أنه اقترب من حلمه، فالأيام القادمة كفيلة بأن تحوّل حلمه إلى كابوس، على يد من تبقى من الأحرار، الذين لم يبدلوا تبديلاً

مقالات ذات صلة