الشهيد القائد يحيى السنوار.. فكرة في ذهنية الأحرار
تهامة نيوز
ارتقى القائد “يحيى السنوار” “أبو إبراهيم” رئيس حركة حماس بطلاً شهيداً، مرتدياً جعبته العسكرية، مُمْتَشقاً سلاحه، مشتبكاً ومواجهاً لجيش الاحتلال في أكثر الأماكن خطورة في حي “تل السلطان” برفح الذي تم إخلاؤه منذ أكثر من 5 أشهر.
وجاء الكشف عن استشهاد القائد المشتبك، في اليوم الـ 377 لمعركة طوفان الأقصى، المعركة التي شاركت فيها كل القوى العالمية العظمى وبدعمٍ عسكريٍ واستخباريٍ توشك على تغيير وجه المنطقة، بما تخللها من مؤامرات وتواطؤ أنظمة التطبيع، كما تخللتها بطولات وصمود شعبي في وجه أبشع جرائم الإبادة الجماعية في العصر الحديث.
استشهد “السنوار” في مقدمة الصفوف ولم يكن في الأنفاق ولا بين النازحين، بل في ميدان المعركة وفوق الأرض، وليس كما كان يروج الإعلام الإسرائيلي وحلفاؤه من المتصهينين العرب أنه في عمق الأرض محاط بالأسرى، ويرتدي حزاماً ناسفاً.
استشهد “السنوار” بعد أن اكتحلت عيناه في الـ7 من أكتوبر 2023م؛ يوم الطوفان العظيم الذي زلزل عمق الكيان وكشف هشاشة أمنه المزعوم وما تلاه من ملاحم الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني وبسالة مقاومته المظفرة، إلى أن نال أشرف مقام وأرفع وسام وارتقى إلى جوار ربه شاهداً شهيداً راضياً بما قدم من جهاد وعطاء.
من هو القائد “السنوار”؟
هو “يحيى إبراهيم حسن السنوار”، المولود يوم 19 أكتوبر 1962م، في مخيم “خان يونس” للاجئين جنوبي قطاع غزة، نزحت أسرته من مدينة “مجدل” شمال شرقي القطاع، بعد أن احتلها الكيان إثر نكبة عام 1948م، وغير اسمها إلى “أشكلون” (عسقلان).
تلقى الشهيد “السنوار” تعليمه في مدرسة “خان يونس” الثانوية للبنين، قبل أن يلتحق بالجامعة الإسلامية بغزة ويتخرج منها بدرجة البكالوريوس في شعبة الدراسات العربية.
ونشأ في ظروف صعبة وتأثر في طفولته بالاعتداءات والمضايقات المتكررة للاحتلال الإسرائيلي لسكان المخيمات، وتزوج في 21 نوفمبر 2011م، من “سمر محمد أبو زمر”، وهي سيدة غزية حاصلة على ماجستير تخصص أصول الدين من الجامعة الإسلامية بغزة، له ابن واحد يدعى “إبراهيم”.
اعتقلته الأجهزة القمعية الإسرائيلية عدة مرات وحكمت عليه بأربع مؤبدات قبل أن يفرج عنه بصفقة تبادل أسرى عام 2011م، وعاد إلى نشاطه في قيادة كتائب عز الدين القسام (الجناح العسكري لحماس).
انتخب رئيساً للحركة في قطاع غزة عام 2017م، ومرة أخرى عام 2021م، وفي 2024م، انتخب رئيساً للمكتب السياسي للحركة بعد اغتيال سلفه الشهيد “إسماعيل هنية”.
تعتبره “إسرائيل” مهندس معركة طوفان الأقصى يوم 7 أكتوبر 2023م، التي كبدتها خسائر بشرية وعسكرية وهزت صورة أجهزتها الاستخباراتية والأمنية أمام العالم، فأعلنت أن تصفيته أحد أهداف عمليتها “السيوف الحديدية” على القطاع، والتي جاءت رداً على عملية طوفان الأقصى.
أدرجته الولايات المتحدة الأمريكية ضمن قائمة الإرهاب، كما فرضت عليه الحكومة البريطانية والفرنسية عقوبات شملت تجميد أصول وحظر السفر.
وفي خاتمة أسطورية، تمثل بداية جديدة، يظهر “السنوار” بجعبته العسكرية ووشاحه وشجاعته ورباطة جأشه وصموده، يصاب في يده فيربطها بسلك حديدي ويقاوم حتى النفس الأخير، ليرحل شامخًا كما شعبه الصامد وجبال غزة الراسخة بصورة البطل المقدام.
“الوحدة الجهادية” رؤية “السنوار” الأساسية:
لقد مثّل الشهيد “السنوار” نهجاً عسكريا وسياسياً، فعلى المستوى العسكري، لم يساوم على نهج المقاومة نصرة للمقدسات الإسلامية، على اعتبار أن الجهاد لأجل فلسطين، هو القتال الحق في هذا العصر، وكان حريصاً على التعاون والتكامل بين أبناء الأمة الإسلامية في سبيل الوحدة الجهادية باتجاه تحرير بيت المقدس من الصهاينة.
وكانت علاقاته مع محور المقاومة ركيزة أساسية في رؤيته للصراع، فالمواجهة التي أرادها الشهيد السنوار هي “طوفان هادر”، من غزة ومن الضفة الغربية، تقتلع الاحتلال من فلسطين التاريخية، وتعيد للامة الإسلامية حضورها الريادي في هذه المنطقة، وتأثيرها على مجمل العلاقات الدولية.
وكانت الوحدة الإسلامية الجهادية هدفاً للشهيد السنوار، ومن هنا كانت علاقاته مع الجمهورية الإسلامية في إيران وحزب الله وفصائل ودول محور المقاومة؛ علاقة عقدية، تتعلق بداية بالمنهج الإسلامي التوحيدي، والذي يؤدي حكماً إلى تكامل الجبهات والأجناد، فجند الشام وجند العراق وجند اليمن، ليس أحاديث في بطون الكتب فقط، بل تطبيق عملي، كان يراه السنوار واقعاً يتجسد في ساحة المواجهة الدائرة حالياً، بين محوري الحق والباطل.
وعبر السنوار عن النسق الفكري الذي عمل عليه، في رسالته إلى الأمين العام لحزب الله السيد الشهيد حسن نصر الله رضوان الله عليه، بأن من مبادئ حركة حماس هي “وحدة شعبنا الفلسطيني على خيار الجهاد والمقاومة، ووحدة الامة وفي القلب منها محور المقاومة في وجه المشروع الصهيوني دفاعاً عن أمتنا ومقدساتنا”.
وإلى اليمن، توجه السنوار بحركة حماس، ولاقته في منتصف الطريق الجمهورية اليمنية شعباً وقيادة وقواتها المسلحة، متخطياً المسافات الجغرافية والمذهبية، فالوحدة الإسلامية التي يراها السنوار واستشهد لأجلها، كانت مساراً ونهجاً عملياً، فرفعت أعلام وصور قادة اليمن في غزة، كما رفعت صور واعلام قادة حماس في صنعاء والمحافظات اليمنية، وقبل رفع الصور والرايات، كانت قلوب اليمنيين تهفو إلى فلسطين وبيت المقدس، وينظر الفلسطينيون إلى اليمن كمدد يؤكد أن شعب فلسطين ليس وحده، وغزة لن تترك وحيدة.
وفي رسالته إلى السيد القائد عبد الملك بدرالدين الحوثي الشهر الماضي، أكد السنوار أن “تضافر جهودنا مع المقاومة في اليمن ولبنان والعراق سيلحق الهزيمة بالعدو بدحره عن وطننا بإذن الله”.
وكان بارزاً ما أشار إليه الشهيد السنوار في تلك الرسالة إلى أن “المقاومة تحضر نفسها لمعركة استنزاف، وستكسر إرادة العدو السياسية كما كسرت إرادته العسكرية”، ما يؤكد أن معركة “طوفان الأقصى” تسير وفق رؤية واضحة، سياسية وعسكرية، فالأولى تحققت يوم السابع من اكتوبر بتحطيم نظرية الأمن القومي الصهيوني، والثانية في مسار التحقيق، بعزل الكيان الإسرائيلي سياسياً، بعد أن كان على مقربة من فك طوق العزلة بالتطبيع مع السعودية.
وإلى جانب العمل المقاوم، كان للسنوار رأي فكري بالتقارب بين دول وحركات محور المقاومة، إلى جانب الشهيد القائد اسماعيل هنية، حيث أسس الرجلان ومن معهما في حركة حماس نهجاً في التقارب الحركي، القائم على توحيد جهود الأمة تحت راية فلسطين، فكان التواصل السياسي مع الحركات السياسية والثقافية، يسير إلى جانب التواصل العسكري، في ثنائية السيف والقلم، لبناء أمة رشيدة، وهذا ظهر في الندوات والفعاليات الثقافية التي شارك في أعضاء من حركة حماس في بلدان مختلفة.
لم تكن واقعة استشهاد الرجل الأول في حركة حماس، حدثاً غير متوقع في أتون حرب الإبادة على غزة، حيث يحرق الاحتلال الأخضر واليابس بحثاً عن فعالي المقاومة القياديين، لكن استشهاد المقاتل السنوار في خضم اشتباك مباشر مع قوات جيش الاحتلال أحيا سيرة الرجل.
وأصبح القائد “السنوار” فكرة في ذهنية الأحرار، حتى ضجت شبكات التواصل الاجتماعي بمشهد معركته الأخيرة مشتبكاً مع مسيرة إسرائيلية، يقاوم حتى الرمق الأخير.. ويكأنه يقول: “قام ولو بعصا، فالمقاومة جدوى مستمرة”