المرتزقة اليمنيين وصغار ضباط التحالف كبش فداء للعدوان في مجزرة صنعاء

[16/أكتوبر/2016م]

متابعات – تهامة نيوز

تقرير / عبد الحسين شبيب

تبدو السعودية منهمكة بتحسين صورتها بعدما اصابتها تشظيات كبيرة بسبب فشل عدوانها على اليمن وتحولها من “منقذة للشرعية” و”معيدة للامل” كما حددت مهام عواصفها الى متهمة بارتكاب جرائم حرب والمسؤولية المباشرة عن مقتل اكثر من 60 في المئة من المدنيين منذ بدء الحرب، بما رفع اسمها الى صدارة القائمة السوداء للأمم المتحدة قبل ان تنزلها مؤقتا الابتزازات المالية للمنظمة الدولية.

اليوم وبعد مجزرة الصالة الكبرى في صنعاء وبعدما أسقط في يد اعلامها ومرتزقتها من الإعلاميين والسياسيين وفشل عمليات تبرئتها بسبب قوة الأدلة ووضوح وتوافر جميع عناصر جريمة الإبادة الجماعية، لجأت قيادة العدوان السعودي _ الأميركي _ الاماراتي الى لعبة الاعتراف بالجربمة “الخطأ” للهروب من المسؤولية. وفي هذا السياق أتى قرار تشكيل فريق تقييم الحوادث لتكون ابرز وظائفه محاولة اظهار المملكة كمن تمتلك “منهجيات عمل ومعايير دولية في إدارة الحروب” من خلال ما سيرد في نتائج تقارير هذا الفريق.

إذاً انتهى الفريق من تقييم مسارات مجزرة صنعاء الأخيرة التي اثارت المجتمع الدولي بوجه الرياض وسحبت الشيك الأميركي من دون بياض من يدها بسبب ما سببته حتى الان من ندوب للولايات المتحدة _ رغم نفاق الأخيرة التي تتحدث عن سخط على قتل المدنيين في اليمن لكنها لا تتوانى عن إعادة بيع السعودية كمية من القنابل التي تلقيها الطائرات الحربية وبينها ام كي 82 التي استخدمت في قصف وتدمير صالة صنعاء وتضمنت الصفقة 8020 قنبلة وصاروخ بينها هذا النوع بمبلغ وقدره مليار ومئتين وتسعين مليون دولار أميركي.

التورط الأميركي في كل جرائم اليمن استدعى اشرافا مباشرا على عمل فريق التحقيق وصياغة دقيقة لمضمونه بحيث اتقن عملية تبرئة القيادة السعودية العليا السياسية والعسكرية واهمل أي حديث عن المستشارين والضباط الاميركيين والبريطانيين المشاركين في غرفة العمليات المركزية، وألقى المسؤولية الأساسية على الحليف اليمني الشرعي، ثم عاقب صغار الضباط الذين تصرفوا من دون العودة الى قيادتهم.

طبعا الاعتراف الرسمي بارتكاب المجزرة مهمته الاساسية القول ان ما يصدر من تحقيقات يقوم بها العدوان تتسم بالمصداقية العالية، لان “لديه الشجاعة في تحميل نفسه المسؤولية وعدم الهروب منها فيما لو ثبتت من خلال التحقيق وجمع الأدلة”.  كما حاول ان يقول من خلال التحقيق انه يقوم بعمل منهجي وان قيادة التحالف تتوخى احترام: قوانين الحرب، القانون الدولي الانساني، اتفاقيات جنيف لحماية المدنيين في زمن الحرب، وانها لا تتقصد بنية مسبقة وعن سابق تصور وتصميم قتل المدنيين في اليمن، وان ما يحصل هو ناجم عن اخطاء متعددة التوصيفات والتعريفات، ولكنها بالمجمل خطأ، علما ان تصريحات عدة ومقابلات متلفزة لمستشار وزارة الحرب السعودية الناطق السابق احمد العسيري اكد مرارا انه يتم تشخيص جميع الأهداف بدقة متناهية وبحيث لا يمكن ان يحصل خطأ في الضرب.

ولذلك فان العملية التجميلية استمرت محاولة تكريس فكرة عن “مهنية قوات التحالف” وعدم عشوائيتها وعبثيتها التي تظهر بالفعل على الأرض ومن خلال حجم الضحايا المدنيين، ولا تكفي التصريحات لاخفاء النتائج الكارثية للعدوان.

حاول التقرير ان يقول ان لديهم قواعد اشتباك واجراءات صارمة فيما يتعلق بجميع العمليات العسكرية التي يقومون بها في اليمن: لجهة تشخيص الاهداف، وكيفية تقصي المعلومات عنها، واجراءات اتخاذ القرارات بشأن اي عملية عسكرية جوية، مثلهم مثل بقية الجيوش المحترمة في العالم، وان هناك لائحة بالاهداف المدنية الممنوع قصفها وهي مشخصة بالاماكن والاحداثيات ويتم مراجعة قرار قصف اي هدف بناء على هذه اللائحة، وانه بعد ما حصل ستتم مراجعة جميع القواعد والإجراءات لضمان عدم تكرار الخطأ.

وهذا الكلام لا يستوي من دون كبش فداء، بحيث تم استحضاره بسهولة من جعبة الارتزاق التي تمولها السعودية، فوضعت في سدة المسؤولية الأولى عن المجزرة مصادر يمنية عليا في رئاسة الاركان اليمنية قدمت معلومات مغلوطة وغررت بقيادة العمليات السعودية من اجل ضرب هذا الهدف العسكري باعتباره “مشروعا”، لا بل أصرت هذه المصادر على استعجال الضرب قبل فوات الأوان، فاستجاب لها “مركز توجيه العمليات الجوية في الجمهورية اليمنية” دون العودة الى قيادته..

وفي هذا الادعاء محاولة ضرب لعصفورين بحجر واحد: الأول تحميل المسؤولية للجانب اليمني الحليف حصراً؛ والثاني، يريدون القول ان هناك في الشرعية اليمنية من يشارك في عمليات القصف الجوي بطريقة فعالة، وان العنصر اليمني مؤثر في صناعة القرار الميداني، وهذا يؤكد ان قوات التحالف تعمل تحت سقف ما يسمونه “الشرعية اليمنية”، وان الحرب بشكل عام خاضعة لتوجيهات هذه “الشرعية” التي سيأتي يوم تحمل فيها عواقب كل الجرائم؛ مع التذكير بان العسيري وفي احدى مقابلاته التلفزيونية الموثقة اكد ان قيادته لا تأخذ بسهولة على محمل الجد أي معلومات من الأصدقاء بشأن اهداف الغارات وتقوم بعملية فحص دقيق لاي معلومات تردها قبل اتخاذ القرار.

أما الخطأ التقني في ارتكاب الجريمة من اطرف التحالف فيتحمله “مركز توجيه العمليات الجوية” الذي بادر الى الاستجابة للطلب اليمني من دون مراجعة قيادة التحالف ومن دون مراجعة الاجراءات المعتمدة وقواعد الاشتباك في هذه الحالة.

وبالتالي تم تقليص درجة المسؤولية الجنائية الى الضباط الادنى رتبة (ربما يتم التلاعب بجنسياتهم لاحقاً)، واعفاء القيادة العسكرية العليا وفوقها القيادة السياسية (السعودية تحديداً) من أي نية مسبقة لارتكاب الجربمة، ومن اي مشاركة في اتخاذ قرار الغارة، وبالتالي حاول حصر التهمة والمسؤولية في نطاق ضيق جدا.

واستكمالا لتبرئة المستويات العليا غيب التحقيق بالكامل اي دور للمستشاربن العسكريين الاميركيبن او البريطانيين الذي يتشاركون في قرارات الحرب، فلم يأت على أي إشارة لهم لا من قربيب ولا من بعيد، وبدا قرار الغارة المتخذ في جميع مساراته خارج نطاق الغرفة المركزية للعمليات التي يتواجد فيها المستشارون: اولا من حيث المعلومات المغلوطة وتشخيص الهدف والاصرار على ضربه (مسار يمني بالكامل) والقرار التنفيذي المستعجل (مركز توجيه العمليات = ضباط صغار في التحالف).

وعليه فانه فضلا عن الإهانة الكبرى التي وجهتها المملكة لمرتزقتها ممن كانوا ملكيين اكثر من “مالكهم” في الدفاع عن مملكة القتل وتبرئتها من الغارة وابتكار روايات بوليسية مذهلة لكيفية حصول الانفجار والقتل، فان الكرة الان القيت مباشرة في الجانب اليمني الذي باتت تقع عليه عدة مسؤوليات: منها ميدانية مثل فحص المعلومات والمعطيات التي يمكن ان تقدم لقيادة التحالف ضمن اطر اكثر دقة بحيث تمنع التسرع والاخطاء؛ ومنها وهو الأهم والأخطر بالنسبة لحكومة الفار عبد ربه منصور هادي، انه بات على عاتقها استكمال التقرير بتقرير آخر تتحمل فيه مسؤوليتها للقيام بما عليها لاكمال عملية تثبيت التهمة على بعض قياداتها العسكرية وتسميتهم باسمائهم، وهذه أسوأ وأخس أفعال الارتزاق لهذه الحكومة الفارة (ادانة نفسها)، ثم، ثالثا، تبرئة قيادة التحالف من تهمة النية المسبقة وتبني تهمة اﻻصرار على الضرب السريع، ومن ثم في الختام اسقاط الحق العام في هذه المجزرة باعتبارها الشرعية المعترف بها دوليا، بعدما حاولت السعودية اسقاط الحق الشخصي للضحايا من خلال فتح باب التعويض معتقدة انه يمكن ان يستوعب الغضب القبلي.

بالتاكيد ان تفكيك هذا التقرير ليس عملية معقدة وينطوي على ثغرات عديدة، اهمها ان “المعلومات المغلوطة” تتعلق بعزاء شعبي معلن عنه ومحدد مسبقا في وسائل الاعلام، وبالتالي لا يحتاج التحقق من صحة هذه المعلومات الى جهد كبير في ظل انتشار جواسيس العدوان في صنعاء من مستويات عدة: سياسية واعلامية وعسكرية وامنية، وبالتالي فان الباس المعلومة المغلوطة للضباط اليمنيين لا يعفي قيادة التحالف من واجب فحص هدف مشخص في منتصف النهار وفي مكان عام.

ثم اذا كانت هذه المجزرة ارتكبها المستوى المتدني في صناعة القرار الجوي أي مركز توجيه العمليات الجوية، فهل هذا هو ما حصل في جميع الغارات التي ادت الى ارتكاب مجازر سابقة، حيث من المفروض بعد سلسلة المجازر السابقة ان يكون تم احتواء جميع الاخطاء وفرضيات الاخطاء، وبالتالي لا يمكن القاء مسؤولية غارة بهذا الحجم على ضباط صغار واستخدامهم كأضحية لتبرئة المستوى الاعلى الذي يعرف ان طائراته منذ اليوم الاول للحرب تقتل من المدنيين اكثر بكثير مما تقتل من العسكريين، خصوصا ان موجة تصريحات دولية سابقة لمجزرة صنعاء حذرت من عواقب الاستهتار السعودي وقتل المدنيين بهذه الكيفية الوحشية.

من الواضح ان هذا التقرير قد صاغته خبرات غربية لديها معرفة بكيفية التلاعب بعبارات التنصل من المسؤولية القانونية والتخفيف من التبعات الجنائية، وبالتالي فانه خلاصة جهد مشترك للاطراف الاميركية والبريطانية والسعودية التي تعرف حجم مسؤوليتها في هذه المجزرة.

مقالات ذات صلة