بقلم /أشواق مهدي دومان
لم نعُد بحاجة لزيارة غابات أفريقيا أو غابات الوحوش في أي مكان للتّعرّف على طبائع الوحش ؛ فقد اجتمعت أقبح وأرذل قيم الحيوان ووحش الغاب في كل منافق ومؤيد ومبرر للعدوان…
لا تستغربوا فقد مللتُ حروف العتاب ، وكرِهت صِيغ الوصف لهؤلاء المسوخ، بل إنّ الكلمات أصبحت تأبى أن ترِد في سطوري ، والألفاظ تشعر بالنقص حين أذكر كلمة منافق -عميل -مرتزق-مؤيّد للعدوان -مبرّر للعدوان-
أصبحت حروف لغة القرآن عصيّة عليّ وقد خدشتُ جمالها وعذوبتها وسلاستها وغلاها ومكانتها ورفعتها وحياتها ..
نعم :
أنا مجحفة بحق حروف العربية التي عشقتها وما مللتُ منها ؛ فظلّت تبادلني الوداد ؛ بل إنّي قد أصبحتُ ظالمة لها فلا أذكرها إلا للبكاء وفي ساعة الأحزان ..
وقد أخبرتني أنّها لن تتركني حزينة إلا وقد رميتُ بكل مافي نفسي عليها ، فتنبري بقوتها وتعبّر عما في الوجدان الأليم ،فلله درها مِن حروف!!!
فكلما استدعيتُها لبّت ؛ إلا اليوم حين استدعيتُها (وهي صديقتي الصدوق )، فقلتُ لها:
أيّها النبع العذب اكتبي رسالة للمنافقين والعملاء والخونة…
حاولي أن تجرحيهم ،تنهريهم ،تقصفيهم ، تحطّمي عزة أنفسهم وحاولي أن تهيني كرامتهم ، فنظرت إلي بدمعات عتاب أخترقت كياني بأنكِ قد ظلمتيني بطلبِك ؛ فقد عِفتُ المنافقين يا صديقتي، وقد وضعتُهم في مزبلة الغاب ، وتركتُهم في مستنقع الخيانه بين بعوض السعوصهيو أمريكا،وقد هجرتهم في جلود الأفاعي ..
يا صديقتي :
اتركيني فقد جرح طلبكِ عظمتي وهيبتي وجلالي ، ومني حروف كتاب الله ..
اتركيني فقد رميتُ أولئك المعتدين مع منافقيهم وأبواقهم وذيولهم المتحركة بين صخور الوحش في غابة التحريض …
وبين بقايا جرذان مريضة مهترئة..
تركتهم فضمائرهم ماتت وماعادت تشعر ؛
يا صديقتي:
تركتُ أولئك بين أحضان الخنازير وديوثتها ، رميتُهم وأغرقتُهم في دموع التماسيح..
وجعلتُهم في لهثان الكلاب وغدر الذئاب وخيانة الثعالب..
تركتُهم في غريزة القردة و في نزغ الشياطين ..
تركتهم في نفوس مواليهم وفي خيوط العنكبوت رميتهم بها و إليها …
فماعاد حرفي يشرف بذكرهم ،وماعاد متسع للملمة قذارات الكون. التي اجتمعت في قرارة أنفسهم…
فلتفهميني (ياصديقتي) ؛ فأنا عشق البلغاء وسِحر العشاق ونور كتاب الله ، فلن أصفهم و لترحلي عني حتى أكفكفُ دموعي وربما في يومٍ أشفى فأكتب فيهم ولكنّي لن أكتب عنهم إلا بازورار واشمئزاز فقد حملوا قبح العالم وأنا سر من أسرار الجمال ….
أدركتُ أنّي سِرٌ من أسرار ألم لغتي وحروفي الموجوعة ، ولم يمرّ في خيالي حين أرهقتُ حروفي إلا خيل عنترة بن شدّاد الذي وقعت نظرة الشاعر عليه ، والدماء تخضبه فهو صديق عنترة الوفي ، والذي خاض به ومعه أشدّ الحروب…
نعم: رأيتُ وجه خيله الأبيض في حروفي التي خضبتها بدم قلبي ، ورميتها بسهام وجع إنسان يبكي وطنه المذبوح من عملاء ومرتزقة ومنافقي العدوان وأبواقه ..
رأيتُ فيها خيل عنترة فرددتُ قولك أيّها الشّاعر النبيل حين قلتَ:
مازلتُ أرميهم بثغرة نحره
ولبانه حتّى تسربل بالدّمِ
فازورّ مِن وقع القنا بلبانِهِ
وشكا إليّ بعبرةٍ وتَحمحُمِ
لو كان يدري ما المحاورة اشتكى
ولكان لو علِم الكلام مُكَلِمِي
وقد رأيتُ حروفي مجروحة جرح خيل عنترة ، حين أردتُها أن تخطّ للزّمان عن إولئك المرميين خلف ستار الإنسانية ،وفي منفى اللا رجولة…
ولهذا :
ياحروفي ، لا تهني و لا تحزني فأنتِ الأعلى وهم في الدّرك الأسفل من الحضيض ، ولك كل اعتذاري …