تأتي هذه الآيات تتحدث عن تنزيه لذاته سبحانه وتعالى لأنه هو {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (الأنعام: من الآية١٠١) هو من لا يحتاج – وهو يخلق ما يخلق ويفطر ما يفطر – إلى أن يعتمد على طرف آخر يسلمه مخططًا ليرسم عليه، أو يسْتَقْدِمَ نموذجًا فيصنِّع كمثله، هو مَن لا يحتاج إلى هذا،
هو من ليس هناك غيره يمكن أن يعمل هذا؛ لأن كل ما سواه مخلوق، كل ما سواه محدث، هو الذي خلقه، هو الذي أحدثه، فهو مَن ابتدع السماوات والأرض، هو من لا يمكن أن يكون له ولد.

هل فهمنا الآن بأنها صفة نقص لو حكمنا بأن له ولدًا؟ صفة نقص فيه نثبتها.. ما هي صفة النقص هذه؟ أي سنثبت بأنه ناقص. ما هو النقص؟ أننا أثبتنا أنه محتاج لطرف آخر، وأن الطرف الآخر هو أكمل منه، إذًا ونحن مفطورون على إعطاء الحق للأولي أليس كذلك؟ والتسليم للأكمل، سنقول: إن ذلك الذي هو من صنع الله على هذا النحو، أو منحه هذا الشيء هو الأكمل، إذًا فهو الأولى. فهذه تنسف التوحيد من أساسه، كفر، كفر شديد.

{وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ} (الأنعام: من الآية١٠١) هو من خلق كل شيء، كل شيء من هذه الأشياء التي نراها أمامنا، خلقنا نحن، وخلق كل هذه الموجودات التي أمامنا. كلمة: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ} أتت في سياق الثناء على الله، والتمجيد لله، والتقديس لله، والحديث عن كماله سبحانه وتعالى، كماله الذي يستحق الثناء من عباده، بل هو من أثنى على نفسه قبل أن يثني عليه عباده.

فعندما يأتي الآخرون فيقولون: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ} يعني: هو أيضًا أفعالنا هذه، المعاصي هو الذي خلقها؛ لأنها أشياء فهو إذًا الذي خلقها. لا يفهمون الحديث هو عن ماذا هنا، أنه يتحدث عن كماله، عن تن‍زيهه، عن تن‍زيه ذاته، عن تمجيده، عن تقديسه، عن الثناء عليه، عن كماله سبحانه وتعالى.. فهل هو من يتمدح يَتَمَدّح بأنه الذي خلق المعاصي وخلق الظلم وخلق الفساد وخلق الكفر وخلق النفاق؟! هل هذا تمدُّح؟! لو كان هو من خلق الضلال والكفر والفساد والنفاق والمعاصي والباطل لما استحق أن نثني عليه، نثني عليه مقابل ماذا؟ إذا كنا نقول: بأنه مصدر كل قبيح ومصدر الفواحش، ومصدر الشرور، فلماذا نثني عليه؟ هل يستحق الثناء عليه فيما إذا وصفناه بأنه مصدر القبائح والفواحش؟ هل من هو مصدر القبائح والفواحش يستحق أن يُثْنَى عليه؟ هل الله سبحانه وتعالى ممكن أن يثني على نفسه، ويتحدث في مقام الثناء على ذاته بأنه من خلق الظلم والفواحش والفساد؟! هذا ليس مما يمكن أن يقوله من في قلبه مثقال ذرة من معرفة بالله صادقة، وشعور بعظمة الله سبحانه وتعالى.

هو من نزه نفسه في آيات أخرى عن الفساد والظلم، أنه لا يريد أن يظلم العباد: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} (فصلت: من الآية٤٦) وهو من قال: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ} (آل عمران: من الآية١٠٨) ، وكلمة ظلم تشمل – تقريبًا – كل أنواع الفساد {إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} (لأعراف: من الآية٢٨) {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ} (النحل:٩٠).

هو الذي ينهى عنها فكيف يتمدح بأنه هو من يخلقها، وكيف يمكن أن يكون هو من خلقها فيك، إذا كان هو من خلقها فيك فمعنى ذلك بأنك انطلقت فيها بغير اختيار منك؛ لأن كل ما خلقه الله فيك هو بغير اختيار منك، بل وبغير اختيار من أبيك، وبغير اختيار من أمك، لونك، شكلك، طولك، قصرك، شكل أعضائك، هل هو باختيار منك؟ هل أنت قدمت لله مخططًا فقلت أريد أن تجعل أذني كذا وأنفي كذا وعيوني كذا وأن يكون طول وعرض وجهي على هذا النحو مثلما تعمل مخططًا لواحد صاحب ورشة؟ لا.

إذًا فلو كان الله هو من خلق فينا المعاصي، ومن ساقنا إليها – على اختلاف أقوالهم حول هذه – هم يلتقون حول هذه أنه خلقها فكيف يمكن أن ينطلق هو ليلعن الشيطان ويأمرنا أن نعادي الشيطان وأن نلعنه والشيطان إنما يوسوس ليحملنا على الفحشاء فكيف يعمل هذا مع الشيطان وهو هو من خلق الفحشاء؟! من الأسوأ حينئذٍ من يخلق الفحشاء أو من يوسوس لها فقط؟
حينئذٍ جعلوا الله – سبحانه وتعالى ننزهه ونقدسه – جعلوه أسوأ من الشيطان! عقائد سيئة.. خلق الفواحش وهو من تنزل أول آية من كتاب الله الكريم بعد بسم الله الرحمن الرحيم هي [سورة الفاتحة] وأولها الثناء على الله {الْحَمْدُ لِلَّهِ} (الفاتحة: من الآية٢) {الْحَمْدُ}بهذه العبارة التي تعني: كل الحمد، كل الثناء كل المجد {لِلَّهِ} سبحانه وتعالى {رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الفاتحة: من الآية٢) فكيف يستحق الثناء من هو الذي يخلق الفواحش، من يملأ القلوب كفرًا ويملؤها نفاقًا رغمًا عن أصحابها، ثم هو في الأخير من يلعنهم، وفي الأخير من يقودهم إلى قعر جهنم؟! ماذا عملوا؟ ماذا عملت أنت؟ رغمًا عنك يملأ قلبك كفرًا ونفاقًا، ويملأ قلبك فسادًا ثم يعذبك؟! يتنافى هذا مع عدله، يتنافى مع حكمته، يتنافى مع رحمته، يتنافى مع كماله، يتنافى مع جلاله وعظمته وقدسيته.
وهكذا، يقولون: هذه عقيدة أهل السنة والجماعة، هذه عقيدتنا، وهذا دليلها من القرآن {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ} (الأنعام: من الآية١٠١)، والمعاصي هي أشياء إذًا هو الذي خلقها!!
القرآن الكريم هو كتاب عربي، بلسان العرب، بأساليب العرب، ونحن نستخدم هذه العبارة، والقرائن المحيطة بها، والجو الذي تقدم فيه، الطرف الآخر الذي تتحدث معه هو من يعرف ماذا تعني، عندما تقول: [نحن تغدينا عند فلان وقدم لنا من كل شيء] ألسنا نقول هكذا؟ هل سيفهم ذلك أنه قدم لكم من كل شيء في الدنيا في السماوات والأرض؟ لا، من الأشياء المعلومة المعروفة.
فنقول: هذه الأشياء التي تشاهدونها، هذه الأشجار هذه الجبال والأحجار، هذه الدواب، هذه الكواكب، هذه السحب الله هو الذي خلقها {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ} من هذه الأشياء، لأن الناس بفطرتهم لا أحد يتبادر إلى ذهنه أن يقول: إذًا هو خلق أفعالي؛ لأن كل إنسان بفطرته، بل الدواب بفطرتها تعرف أن أفعالها منها، أنها هي التي انطلقت فيها؛ ولهذا ترى القط، ترى الكلب عندما يعمل عملًا هو يعرف بأنه عمل غير مسموح به، يدخل من باب البيت فمتى ما سمعك أنك قريب من البيت يهرب بسرعة؛ لأنه يعرف أنه هو قد ارتكب خطًا، دخل البيت وليس من حقه أن يدخل البيت، القطُّ قبل أن يتناول [اللحمة] أليس هو ينظر هنا وهنا قبل أن يتناولها هل أحد يراه ثم يقفز وينطلق بسرعة؟ وإذا لم يكن أحد عنده أكلها مكانها، فعندما يسمع أحدًا قادمًا إليه يأخذها ويهرب بسرعة.. هكذا حتى الحيوانات تعرف أن أفعالها منها.
من منا ممكن أن يتبادر إلى ذهنه أنه عندما يشرب، عندما يأكل أن الله هو الذي خلق هذا الفعل وأنا آكل، يمكن تقول هو الذي خزن هو الذي دخن! خلق التدخين خلق التخزين؟! هذه أفعالنا نحن، والحيوانات لها أفعال تختص بها. لا يتبادر إلى الذهن، لكن الطواغيت، وعلماء السوء هم من أجل خدمة السياسة الفاسدة، خدمة الطواغيت يحمِّلون الله كل سوء، وينسبون إلى الله كل قبيح فيشبهون على العوام من الناس، فمتى ما رأينا معاوية بطغيانه وقبحه نقول: الله هو الذي ولاه، والأعمال التي تصدر من معاوية الله هو الذي خلقها! فأصبح معاوية مقبولًا بكل ما هو عليه؛ لأنه كله من الله، هو الذي ولاه، وهو الذي خلق أفعاله!! فمن الذي سيستثار ضد معاوية إذا أو أشباه معاوية وهو يعتقد هذه العقيدة؟! أليسوا هم من دَجَّنُوا أنفسهم ودجّنوا الأمة للظالمين بعقائد مثل هذه؟ هم من أساءوا إلى الله إساءة بالغة.
دروس من هدي القرآن الكريم
#معرفة_الله_عظمة_الله_الدرس_الثامن
ألقاها السيد/ #حسين_بدرالدين_الحوثي
بتاريخ: ٢٦/١/٢٠٠٢م
اليمن – صعدة

الله أكبر
الموت لأمريكا
الموت لإسرائيل
اللعنة على اليهود
النصر للإسلام

مقالات ذات صلة