العدوان السعودي على لبنان: مخطط مُبَيَّت
|| صحافة ||
لا نستطيع أن نصف السلوك السعودي تجاه لبنان إلا بالحرب والعدوان على السيادة والكرامة وتشكيل تحالف على غرار تحالف العدوان على اليمن لإفساد الحياة السياسية في لبنان والتي لا تلتئم إلا بالعناء وبالوصول بالأمور إلى حافة الهاوية.
كما لا نستطيع أن نصف هذه الحرب السعودية على لبنان بأنها وليدة اللحظة أو أنها جاءت على خلفية الأزمة التي افتعلتها المملكة مع الوزير جورج قرداحي، بل هي حرب مبيتة منذ فترة طويلة ولها شواهدها ونذرها.
أولا: لماذا نصف السلوك السعودي بالحرب؟
سحب السفير السعودي من لبنان وطرد السفير اللبناني من السعودية، هو إعلان عن وصول القضايا السياسية لطريق مسدود، وأن المهام الأخرى المتعلقة بالشعبين – بلحاظ المهام الأخرى للسفراء – هي الأخرى في طريقها للقطيعة.
كما أن السعودية أرفقت ذلك بقرارات اقتصادية متعلقة بالواردات، ناهيك عن عزوفها عمدا منذ فترة عن تقديم المساعدات المعتادة للدولة اللبنانية واصدقائها فيها.
الأخطر من ذلك أن السعودية شكلت تحالفا على غرار تحالف العدوان على اليمن، حيث انضمت إليها الامارات والكويت والبحرين، إضافة إلى التضامن القطري، وكللت ذلك بأبواق لبنانية داخلية تساند الحرب على غرار حكومة عبد ربه العميلة باليمن!
وإن لم يكن العدوان السعودي عسكريا، فإن تداعياته المخطط لها والمنشودة سعوديا هي الفوضى وإفشال الحكومة وتعميق الأزمة والحصار والدفع بالأمور لحرب أهلية، بعد فشل الرهان على حزب القوات وممارساته وتصريحات رئيسه، والتي استوعبتها المقاومة وتعاملت معها بحكمة ومسؤولية وصبر.
ثانيا: لماذا هي حرب مبيتة؟
منذ فترة طويلة ترفع السعودية يدها عن المساعدات المعتادة بعد تراجع نفوذها الإقليمي والذي استلزم تراجعا في نفوذها التقليدي داخل لبنان.
ولا شك أن تراجع النفوذ السعودي إقليميا جاء على خلفية صمود محور المقاومة في وجه المشروع الصهيو أمريكي والذي تتحالف معه السعودية وتشارك به بأسهم متعددة ومتنوعة، ماليا وإعلاميا ودعائيا، وصولا إلى التعاون العسكري المتمثل في الحرب على اليمن.
وجاء الصمود اليمني كضربة قاصمة وهو ما أربك المشروع السعودي في محيطه الحيوي، ناهيك عن تنامي قوة محور المقاومة وتصديها للرأس الكبرى الأمريكية والصهيونية، وهو ما خلق تهديدا للنفوذ السعودي داخل بلدان محور المقاومة، وبالتالي كان “حزب الله” هدفا للعدوان السعودي.
ولا شك أن التصريحات والممارسات السعودية والتنسيق العلني بين السفارة الأمريكية والسفارة السعودية وأصدقائهما في الداخل اللبناني كانت موجهة علنا للمقاومة وسلاحها، وكانت تدفع الأمور بشكل فج إلى الصدام والحرب الأهلية، والفوضى الداخلية وإعاقة تشكيل حكومة، باعتبار أن النظام السياسي الذي تشارك به المقاومة مرفوض وأن الفوضى أفضل منه لدى السعودية وأعداء المقاومة.
ولا شك أن جدية المقاومة ووفاءها بعهدها في كسر الحصار، قد عجل دوليا بالضغط لتشكيل الحكومة، بعد استشعار الغرب أن المقاومة حولت التهديد لفرصة حقيقية للاستقلال الوطني وكسر الحصار، إلا أن السعودية وحلفاءها مشروعهم متباين مع الغرب في هذه النقطة، حيث الدمار واستعداء الصهاينة على المقاومة والحرب الأهلية هي خيارهم الملائم لحقدهم على المقاومة ومحورها، وتختلف حساباتهم عن الحساب الأمريكي الذي ينظر بعقلانية للمآلات ويحاول تحجيم وحصار المقاومة ليقينه بالعجز عن تدميرها.
هنا جاءت الأزمة المفتعلة حول تصريحات الوزير جورج قرداحي، والتي صدرت قبل توليه الوزارة، مما يعني أنها تمثل رأيا شخصيا لا رسميا، وبالتالي لا يحق للسعودية الاعتراض بشكل دبلوماسي، إلا إذا كان المطلوب هو موالاة الوزراء اللبنانيين للمملكة وتبعيتهم لها علنا!
وقد مثل استدعاء التصريحات القديمة وسرعة تطور ردود الأفعال وحدّتها، فضحا للحرب المبيتة والتي كانت تبحث عن ذريعة لتأزيم الأمور في لبنان.
وقد صدرت تصريحات لوزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، كاشفة لنوايا السعودية وجوهر تحركاتها، حيث قال ابن فرحان إن التعامل مع لبنان أصبح “لا جدوى له” في ظل ما سماها هيمنة “حزب الله” على البلاد.
وهنا كشف الوزير عن سبب التحركات السعودية وهي العداء والحقد على المقاومة، إذ لا رابط بين الوزير قرداحي والحزب رسميا، والوزير ليس محسوبا على الحزب، وتصريحاته لم تحمل وجهة نظر المقاومة والتي ترى ما يحدث في اليمن على أنه عدوان صريح بالتحالف مع المشروع الصهيو امريكي.
كل ما قاله الوزير إنها حرب عبثية، ولم يعلن العداء أو النقد الصريح للسعودية، وكل جريمته أنه قال رأيًا حرًا وشجاعًا ولم يخضع للتهديد ولم ينضم لجوقة النفاق واحتفظ بكرامته وكرامة بلاده، وهو في القاموس السعودي يعد عداء وتطاولًا على المملكة وحلفائها!
وهنا نستطيع أن نقول إن السعودية وأتباعها في الخليج عامة لا يفقهون في السياسة الا لغة الشراء سواء الذمم أو النفوذ او السلاح وربما
حتى العقول، وهم يتبعون ذلك بشكل موحد مع الدول الصغيرة والقوى الكبرى.
ومن يسهل عليه الهوان ويرتضِ ان يكون سلعة فهو صديق، ومن يكن عزيزا وكريما ورافضا للمذلة، فسيتحول تلقائيا لخصم وعدو.
وبالتالي، فإن سياستها تجاه القوي هي المداراة والخضوع للابتزاز وتجاه الضعيف هي الضغط والتلويح بالعقوبات، اما تجاه الاحرار فهي الحرب عندما تظن ان ميزان القوة في صالحها والتحريض على الحرب والتآمر والفتن عندما توقن ان القوة ليست في صالحها.
العهد الاخباري