ثورةٌ ونهجٌ وتكليفٌ لنفس المسار
سهام محمد /تهامة نيوز
عاش العرب حُقبةً من الزمن عصرٌ مُظلم، كان فيهِ الناس كالحيوانات في غابةٍ موحشةٍ فلا قوانين ولاضوابط، فيها يأكُلُ القوي الضعيف، فيه تنتهك الحرمات، نعم أنها جاهليةٌ أولى فيها عاش الناس حالةً من التخبُط والتيه الثقافي، لوحةٌ اختار فيها الرسام لمضمونها الوانٌ شاحبةً تميل لسواد القلوب المحتله بالجهل والضلال، فإذا برحمةٍ من لونٍ سماويٍ يحفهُ النور الإلهي، مزج فيها لون السماء الزاهي بالنعمةِ المهداةِ للبشرية كافه فعم الدنيا نورٌ لايضاهيهِ نور، منه تغار نجوم السماء وتقتبس نورها المضيء، كيف لا ، والنعمة المهداة نجوم الأرض من بوجودهم وجد الجمال، فلأصل الجمال ليليق استقبال الكون لهم مقتبساً من نورهم الساطع جماله بجميع الألوان، فها هي ملائكة السماء بحفاوةٍ تنظم حفلها الملكوتي لنجومٍ تتوافد على أهلِ الأرض ليستمر نورها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
وإلى نجوم الأرض أهدي كلماتي فأن جف قلمي من حبرهِ فها هو ذا دمي لأكتب به على سطور الدنيا حتى يجف، فلأهلِ بيت النبوة ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، من بهم فتح الله وبهم يختم، أعلنها جلياً ولائي وولاء كل مؤمن لكم من بعد الله،فأنتم لطريقنا نور لا ينتهِ، بالنور المحمدي تبددت جاهليةٌ أولى، وفي مدرسة المصطفى ربى أمته على التسليم والثقة بالله، وعلى الأخلاق الفاضلة رباها على الجهاد والصبر والثبات في وجه الظالمين، فتخّرج منها باب مدينة علم رسول الله صلوات الله عليه وآله، سيد الوصيين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، مواصلاً لمسيرة خير الخلق غير آباهٍ بالظالمين، جاهد في الله حق جهاده، فبالشهادةِ فاز ورب الكعبة، فمن مدرسة المصطفى والمرتضى تخرج سيد شباب أهل الجنة”الحسن والحسين عليهم السلام” بقوة الإيمان تحركوا صبراً وثباتاً وجهاداً، ولمسيرة أبيهم وجدهم يواصلون، فللعلياء وصلوا وللشهادةِ نالوا، رغم أن نجوم الأرض تتساقط ولكن لتصعد لتزيد نجوم السماء بهاءً.
فيرثها مسئوليةً وتكليفاً نجم جديد ليجدد العهد وعيٌ وجهاد، فأذا بعلي”زين العابدين”يتخرج من مدرسة الحسين “عليهم السلام” كلمة الحق معلناً لثقافة الجهاد والأستشهاد دفاعاً عن دين الله، مربياً لجيلٍ مؤمنٍ قوي، فتخرج من مدرستهِ حليف القرأن قدوة المستبصرين”الإمام زيد بن علي بن الحسين عليهم السلام” من وحي عاشوراء من كربلاء الطف كان خير أمام “الإمام زيد عليه السلام”سار على خطى أباءهِ مزلزلاً لعروش الطغاةِ الظالمين، ثائراً في وجه طاغوت ذلك الزمان وريث بني أمية هشام بن عبدالملك، استدعى هشام الإمام زيد طالباً لقاءهُ؛ لأن الإمام زيد كان يجاهد كما علمه أبوه زين العابدين جهاد الكلمة، وكان ممتثلاً كلام جده رسول الله صلوات الله عليه وآله :أفضل الجهاد كلمة حق في وجهِ سلطانٍ جائر”
سافر الإمام زيد مودعاً المدينة المنورة ومودعاً لقبر جده المصطفى، لأنه كان يعلم بأن هشام يضمر له الشر، فأستدعي للسفر للقاء هشام قسراً، وعند وصوله إلى الشام سجن لمدة خمسة أشهر في سجن هشام ظناً من هشام بأنه سيسكت زيداً، فكان الأمر عكسياً ضد الطاغية هشام فكانت فصاحة وبلاغة وأخلاق زيد القرآنية أشبه ببلاغة وفصاحة جده الإمام علي “عليهما السلام”، فرض زيد نفسه على من داخل وخارج السجن، وأصبح محور الحديث في مجالس الشام عموماً، أعجبوا بعلمه وسماحتهِ وشجاعتهِ ولفت أنظارهم إلى الحق، وصحح الكثير من المفاهيم والحقائق التي حاول الأمويون إخفائها زمناً طويلاً، وبعد تجاهل الطاغية هشام كما هي عادة الطواغيت، أمر بأدخال الإمام زيد عليه، أدخل الإمام زيد “عليه السلام” إلى هشام بن عبدالملك ثلاث مرات وكان كل مرةٍ يلقن هشاماً درساً قاسياً ويفضحه أمام الحاضرين في مجلسه.
وعند الدخول الأول أُدخل الأمام زيد على هشام فتجاهله هشام فانبرى زيداً قائلاً:السلام عليك أيها الأحول، وأنك لجديرٌ بهذا الأسم، فاستشاط هشام غضباً وقال :أنت زيد المؤمل للخلافة، وماأنت وذاك وأنت إبن أمةٍ، قال زيد عليه السلام:إن الأمهات لايقعدن بالرجال عن بلوغ الغايات ولا أعرف أحداً أحب عند الله من نبي بعثه وهو إبن أمة وهو إسماعيل بن إبراهيم والنبوة أعظم عند الله من الخلافة، ثم لم يمنع ذلك أن جعله الله تعالى أباً للعرب وأباً لخير النبيين محمد صلى الله عليه وآله وسلم فلو كانت الأمهات تقصر عن بلوغ الغايات لم يبعثه الله نبياً وما تقصيرك برجل جده رسول الله وأبوه علي بن ابي طالب”فلما خرج الأمام زيد قال هشام لجلسائه :ألستم زعمتم أن أهل هذا البيت انقرضوا لا لعمر الله ماانقرض يوم هذا خلفهم، وعند الدخول الثاني دخل زيد على هشام فجاء وفي مجلسه يهودي يسب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فانتهره زيد عليه السلام وقال : “يا كافر أما والله لئن تمكنت منك لأختطفن روحك” فكان رد الطاغية هشام :مهٍ يازيد لاتؤذي جليسنا، فخرج زيد وهو يقول :من استشعر حب البقاء استدثر الذل إلى الفناء”، وقال:”والله إني لأعلم بأنه من أحب الحياة قط أحد إلا ذل”.
وفي الدخول الثالث دخل عليه وقد سمع بأن هشام قد أعلن على رؤوس الملأ في يوم حج وأقسم أن لايأمره أحد بتقوى الله إلا ويقطعن رأسه، فلما دخل عليه الإمام زيد قال له :اتق الله يا هشام! فقال هشام :أو مثلك يأمرني بتقوى الله ؟ فقال الإمام زيد:نعم!” إن الله لم يرفع أحدا فوق أن يؤمر بتقوى الله ولم يضع أحدا دون أن يأمر بتقوى الله، فقال هشام :هذا تحقيق لما رفع إلي عنك، ومن أمرك أن تضع نفسك في غير موضعها وتراها فوق مكانها ؟فترفع على نفسك وأعرف قدرك ولا تشاور سلطانك ولاتخالف إمام، فقال الإمام زيد:”من وضع نفسه غير موضعها أثم بربه، ومن رفع نفسه عن مكانها خسر نفسه، ومن لم يعرف قدره ضل عن سبيل ربه ومن شاور سلطانه وخالف إمامه هلك، أفتدري يا هشام من ذلك؟ ذلك من عصى ربه وتكبر على خالقه وتسمى باسم ليس له وأما الذي أمرك بتقوى الله فقد أدى إلى الله النصيحة فيك، ودلك على رشدك” فوثب هشام من مجلسه وقام قائلاً “أخرجوه من مجلسي ولايبيتن في معسكري، فخرج زيد وهو يقول: “سأخرج ولن تجدني والله إلا حيث تكره” وخرج وهو يقول:”والله ماكره قوم قط حر السيوف إلا ذلوا”، هكذا هو الإمام زيد “عليه السلام”هكذا هو حليف القرآن، كل مواقفة تدل على مدى ثقتهِ بالله وارتباطه بالله، واحتقاره للطغاةِ المتجبرين المنحرفين عن منهج الله سبحانه وتعالى، كان ومازال زيداً خير أمام، ظل نجم زيدٍ ساطعاً ومازال حتى الحوض المورود، جاهد الطغاة ولم يخف في الله لومة لائم.
تسلق زيداً سلالم البقاء، ونال الشهادة ملتحقاً بأباءهِ، وهاهم نجوم الأرض يتساقطون لأعلاء كلمة الله، فما سقطوا إلا ليصعدوا ليضيئوا لنا السماء، كلما حاول الطغاة إخفات ضوء نجوم الأرض والسماء ازداد نورهم توهجاً، ظناً منهم بقتل زيدٍ وقطع رأسه وصلب جثتهِ وإحراقها بأنهم قادرين على إطفاء نور زيد، لا والله كلما حاولوا محو ذكر آل بيت المصطفى صلوات الله عليهم فاح عطر كراماتهم أرجاء الكون، نثروا رماد زيد في نهر الفرات فما زادهُ إلا حلاوةً بعد أن كان ملحٌ أُجاج صار عذباً وإلا أي كراماتٍ وعظمةٍ لحليف القرآن، صعد زيدٍ إلى جوار أباءهِ تاركاً فينا ألف زيد.