*ابو الفضل العباس وابو فاضل طومر ، وحدة الموقف والمظلومية والقضية*
✍️ محمد موسى المعافى
حين رأيت مشاهد تلك العملية البطولية الخالدة للشهيد ابوفاضل هاني محسن الذي بلغ أعلى مراتب الإحسان وضحى بنفسه و بذل روحه ودمه احساناً منه لإخوانه المحاصرين تذكرت حينها ذلك الموقف البطولي للشهيد ابوالفضل العباس بن علي بن ابي طالب عليهما السلام فقد تكرر الموقف لان الصراع لازال مستمراً وممتدا من كربلاء الطف الى كربلاء اليمن .
لمّا اشتد العطش بالحسين عليه السلام و أهل بيته و أصحابه يوم العاشر من المحرّم و سمع عويل النساء و الأطفال يشكون العطش؛ طلب العباس من أخيه الإمام الحسين السماح له بالمغامرة لجلب الماء ، فأذن له الحسين عليه السلام، فحمل على القوم فأحاطوا به من كلّ جانب فقتل و جرح عدداً كبيراً منهم وكشفهم و هو يقول:
لا أرهب الموت إذا الموت رقا
حتى أواري في المصاليت لقى
نفسي لنفس المصطفى الطُّهر وقـا
إنّي أنا العبّاس أغدو بالسقا
و لا أخاف الشرّ يوم الملتقى
و وصل إلى ماء الفرات فملأ القربة و عاد فحمل على القوم و قتل و جرح عدداً منهم فكمن له احدهم فضربه على يمينه فقطعها فأخذ السيف بشماله فقاتل حتّى ضعف فكمن له آخر من وراء نخلة فضربه على شماله فقطعها، فأخذ القربة بفمه ، و بينما هو جاهد أن يوصلها إلى المخيّم، إذ صُوّب نحوه سهمان، أحدهما أصاب عينه عليه السلام فسالت ونبت السهم فيها، وأمّا الآخر فقد أصاب القربة فأريق ماؤها، وعندها انقطع أمله عليه السلام من إيصال الماء؛ فحاول أن يخرج السهم الذي في عينه فضربه ملعون بعمود من حديد على رأسه فقتله .
ولأن القضية لازالت مستمرة ، تكرر موقف العباس الذي تجسد في الشهيد هاني طومر المكنى بأبي فاضل ، الذي لم يرضَ ان ير اخوانه المجاهدين محاصرين فانطلق بجسد امتلئ ايمانا واباء وغيرة وحمية من رأسه حتى اخمص قدميه ليصعد على آليته العسكرية واثقاً بالله معتمداً عليه مستعينا به
ليخترق صفوف الأعداء الذين وجهو نحوه وابلا من الذخائر بمختلف أنواعها الخفيفة والمتوسطة والثقيلة ولكن حالت الرعاية الإلهية بين كل تلك الذخائر وبين جسد الشهيد البطل الذي واصل المشوار مخاطباً بلسان حاله قطعة الحديد التي يقودها (إن الله معنا) فأنزل الله سكينته عليه وايده بجندٍ عملت على تثبيت قلبه حتى وصل لموقع رفقاه المحاصرون .
أنزل ما كان يحمله و ركب معه من جرح من رفقاه و بدأ مشوار الإياب مستمداً العون ممن اليه المعاد والمئاب فنجحت المهمة الأولى ودون تردد او خوف بدأ في تنفيذ المهمة الثانية التي لا تقل خطورة عن سابقتها وبفعل الايمان الصادق حظي الشهيد برعاية وعون إلهي كتب على اثره النجاح لهذه المهمة .
كان لايزال هنالك ثلة من المؤمنين في الحصار وعبر اجهزة اللاسكي كانوا يطلبون التدخل لفك الحصار عنهم ، لم يسترح الشهيد هاني طومر من عناء المهمتين الأولى والثانية بعد ، ليسمع نداءات المؤمنين و استغاثة المحاصرين ليتحرك على آلية عسكرية متجهاً نحوهم متجاهلاً جحافل الغازين واسلحة المنافقين وحين وصل هاني للموقع لم يجد رفقاه فقد غيروا أماكنهم بسبب اقتراب العدو منهم فقرر ان يعود وما أن بدأ بالتحرك حتى سمع نداءات اخوانه فلم تطب نفسه ان يتجاهلهم ويواصل إيابه
فعاد ثانية وثالثة ليبحث عنهم وفي تلك الأثناء اصيبت الية هاني فأُعطبت
وترجل من عليها ليتحول لفريسة في وسط وحوش لم تعرف الإنسانية ولا الرجولة ولا القيم ولا الأخلاق والمبادئ فوجهوا نحو جسده وابلاً من الرصاص بمختلف انواعه ومن كل الجهات المحيطة به ليسقط شهيدا ويتوج قيمه القرانية بالشهادة في سبيل الله .
وقف الشهيد هاني طومر موقف العباس وقف هاني مناصراً لحسين العصر في مواجهة عمر بن سعد وشمر بن ذي الجوشن وابن زياد ويزيد العصر .
فانتصر دمه على سيف عدوه بعد أن سطر أقوى وأعظم المواقف في التضحية والبذل والإيثار والوفاء فسلام الله عليه وعلى ايمانه و وعيه و وفائه وبذله وعطاءه .