[20/يوليو/2016م]
متابعات – تهامة نيوز
فشل الانقلاب العسكري الذي حدث مؤخراً في تركيا، وفي هذا التقرير نشير الى مقومات قدرة الحكومات التي تحفظ الدول امام الازمات المختلفة او تتسبب بانهيارها، كما سنبحث المؤشرات الاربعة التالية وهي “أزمة الشرعية” و”أزمة التماسك بين اركان الحكم” و”أزمة اجهزة السلطة والقمع” و”أزمة الجدارة” لكي ندرس بشكل دقيق اسباب فشل الانقلاب.
1- أزمة الشرعية
فيما يتعلق بتحليل ودراسة قوة الحكومات اثناء الازمات هناك مبدأ اساسي ينبغي الوقوف عنده وهو وجود أزمة الشرعية أو عدم وجوده، وهذا يعني ان الانظمة السياسية التي تعاني من ازمة الشرعية تواجه احتمالا اكبر بالانهيار من الانظمة التي لاتعاني من ازمة الشرعية، وفيما يتعلق بتركيا فاننا نجد ان حكومة حزب العدالة والتنمية كانت تواجه نسبة صغيرة جدا من ازمة الشرعية فهذا الحزب ومنذ وصوله الى السلطة في عام 2002 سعى الى تقديم صبغة اسلامية ملائمة للنزعة القومية والقيم العلمانية كما انه لم يكتف بشعبيتها العالية بين المواطنين بل عمد الى اضعاف نفوذ وقوة الجيش.
واستفاد حزب العدالة والتنمية من التجارب السابقة ودافع عن الديمقراطية والحريات المدنية وسعى للدخول الى الاتحاد الاوروبي كما استعان بنفوذ فتح الله غولن واستغل ملف ارغنكون لاضعاف الجيش ونجح في خفض التضخم وتسجيل نمو اقتصادي وجذب الاستثمارات الاجنبية وتحسين الظروف المعيشية و اوجد لنفسه شعبية كبيرة لدى المواطنين الاتراك ولم تؤدي الازمات الطارئة مثل الخلافات مع الاحزاب الاخرى والازمة مع الاكراد والموقف مما يجري في سوريا وتراجع عدد السائحين الاجانب الى خفض مشروعية حزب العدالة والتنمية واردوغان.
ولهذا يمكن القول ان الحكومة التركية الحالية لم تعاني من ازمة الشرعية حين وقوع الانقلاب ولم يحظى الجيش بدعم الشعب في انقلابه كما حصل في مصر وتونس بل وقف قسم كبير من الجيش وحتى الاحزاب المعارضة للحكومة مع شرعية هذه الحكومة وهذا من اسباب فشل الانقلاب.
2- أزمة التماسك بين اركان الحكم
ان الحكومات التي لم تحصل فيها انشقاقات وتحافظ على تماسكها ابان وقوع الازمات تواجه احتمالات اقل بالانهيار واذا اردنا ذكر امثلة على ذلك يمكننا الاشارة الى الثورات العربية التي حدثت منذ عام 2011 فالبلدان التي حدث في انظمتها شرخ وانشقاق نجحت فيها الثورات وانهارت فيها الانظمة.
وفيما يتعلق بتركيا فلم يكن هناك شرخ وانشقاق قبل حدوث الانقلاب وبعده فحزب العدالة والتنمية استطاع تشكيل حكومة من حزب واحد بعد انتخابات نوفمبر 2015 وهذه الحكومة وقفت كلها ضد الانقلاب، واضافة الى ذلك بادرت الاحزاب الموجودة في البرلمان التركي الى اعلان دعمها للحكومة منذ الساعات الاولى للانقلاب وهذا مهد لفشل الانقلابيين، ويبقى ان نشير ان القوة الوحيدة التي كانت قادرة على القضاء على شرعية حكومة اردوغان وتماسك اركان الحكم ومعارضة الاحزاب الاخرى للانقلاب هي قوة الجيش التركي وسنتطرق الى هذا الموضوع لاحقا.
3- أزمة اجهزة السلطة والقمع
اذا حدث انشقاق وتقسيم بين القوات العسكرية لدولة ما اثناء الأزمات فإن اسس النظام السياسي لتلك الدولة ستتعرض للانهيار ففي مصر مثلا ادى دعم الجيش للثورة في عام 2011 الى انهيار نظام مبارك وفي عام 2013 ادى عدم دعم الجيش لحكومة محمد مرسي الى نجاح انقلاب السيسي، لكن فيما يتعلق بانقلاب تركيا فأركان السلطة كانت متماسكة وقيادة الانقلاب كانت ضعيفة وذلك على عكس الانقلابات السابقة التي حدثت في هذا البلد ففي انقلاب 15 يوليو بقيت الاستخبارات التركية وفية لاردوغان وكان معظم قيادات الجيش ممن أتى بهم اردوغان ولاشك ان سياسات اردوغان في تطهير هيكلية الجيش خلال السنوات الماضية أتت أكلها، فتنصت الاستخبارات على الاتصالات المتبادلة بين 4 مروحيات حلقت لقصف محل اقامة اردوغان في جزر مارماريس لعب دورا بارزا في مغادرة اردوغان لهذا المكان و أدى في النهاية الى هزيمة الانقلابيين، ان معظم العسكريين من الجيش والشرطة والاستخبارات بقوا اوفياء لاردوغان وكانت قوة هؤلاء اقوى من قوة الانقلابيين.
ان الانقلابيون ارتكبوا اخطاء استراتيجية فإنهم لم يستطيعوا اعتقال المسؤولين الحكوميين خلال الساعتين الاولى للانقلاب او القضاء عليهم، كما فشل الانقلابيون في كسب تأييد قادة الجيش الرئيسيين وبالاضافة الى هذا التزم الانقلابيون بأوامر عدم اطلاق النار على المواطنين وهذا ساعد على فشلهم ايضا، وهناك جنود بين الانقلابيين قالوا بعد استسلامهم بأنهم سمعوا بأنهم ذاهبون الى تدريبات عسكرية، وفي الحقيقة كانت مقومات وأدوات الانقلاب ضعيفة.
4- أزمة الجدارة
ان جدارة النظام السياسي في بلد ما حين وقوع الازمات امر هام لحفظ هذا النظام السياسي والحؤول دون انهياره واذا نظرنا الى الثورات العربية التي اندلعت منذ عام 2011 نجد أن الحكومات المركزية كانت تفتقد الى الجدارة في ادارة الازمات اما فيما يتعلق بتركيا فإن حزب العدالة والتنمية بقيادة اردوغان استطاع ادارة الازمات بجدارة في تركيا منذ عام 2002 وخاصة في القضايا الاقتصادية كما وفرت فضيحة ارغنكون الفرصة لاردوغان لبسط سيطرته على العسكريين الاتراك واعتقال الكثير من الجنرالات السابقين والقادة الحاليين للجيش وهذا حد من قدرات العسكريين.
ولا شك ان حزب العدالة والتنمية كان يتوقع حدوث انقلاب ضده وكان مهيئا الى حد ما لمواجهته وهنا برزت اهمية دور الشرطة والوحدات الخاصة للجيش والاستخبارات بشكل كبير فهذه القوات نقلت المسؤولين الكبار في الدولة الى اماكن آمنة منذ الساعات الاولى من الانقلاب وقاتلت القوات الخاصة للجيش بشدة مع الانقلابيين كما لعبت قوات الشرطة ايضا دورا هاما في القتال لكن القضية الأهم من دور هؤلاء العسكريون هي الرسالة المصورة التي ارسلها اردوغان لمؤيديه وتم بثها في وسائل الاعلام وطالب فيها بالتصدي للانقلابيين وهكذا يمكن اعتبار نزول المواطنين الى الشوارع في انقرة واسطنبول والوقوف في وجه الانقلابيين جزءا من جدارة الحكومة في ادارة الازمة.
إن انصار اردوغان المستعدين للتضحية بارواحهم شكلوا تحديا كبيرا امام الانقلابيين في السيطرة على الاوضاع، وفي النهاية يمكن القول ان الحكومة التركية سخرت كل قدراتها المتاحة امامها لافشال الانقلاب واثبتت جدارتها الكبيرة في السيطرة على الازمة الاخيرة.